ولا أجزم أن الرائية نظمت بعد الميمنة، فإن كانت نظمت قبلها فتكون كأنها جمجمة وترنم بنشوة التجربة قبل الإفصاح الكامل، الذي ربما كان تحول دونه رياضة القول ومعاناة التقية، وإن كانت نظمت بعدها فتكون بمنزلة الذكرى والعطف والشجن وكلا الوجهين جائز، والثاني أشبه لكمال السلامة والرونق اللفظي في الرائية، وهذا في الغالب مما يتأتى في المحاولة الثانية، لما يغلب فيها جانب التجويد الفني، جانب الاندفاع العاطفي، والله أعلم.
وقال النابغة أيضًا:
أتاركةٌ تدللها قطام ... وضنًا بالتحية والسلام
فجاء بنسيب نموذجي، خرجت فيه التجربة الأولى من بابي الحرارة الفردية والنشوة المتصوفة إلى الشجن العام المنحى وطلب الجمال الفني، بأحكام الصور وإتقانها -ومع ذلك فمن التجربة الأولى عقابيل تستبان وإشارات لا تخفى- قال:
فإن كان الدلال فلا تلجّي ... وإن كان الودع فبالسلام
فلو كانت غداة البين منت ... وقد رفعوا الخدور على الخيام
صفحت بنظرةٍ فرأيت منها ... تُحيت الخدر واضعة القرام
ترائب يستضيء الحلي فيها ... كجمر النار بذر بالظلام
وهذا من قول امرئ القيس «كأن على لباتها جمر مصطل» وليس بتكرار له، على قوة الأخذ، لما فيه من صفة الحلي والترائب معًا، وقوله «بذر بالظلام» تأمل دقيق -ومع هذا فهو كأنه تفريع من معاني الميمنة التي في سعاد، وتجربتها التي ذكرنا. وفيه بعد تلذذ باشتهاء يجري مجرى قوله في الرائية «تلوث بعد افتضال الدرع مئزرها، » البيت.
وقد مضى النابغة فشبه قطام بالغزالة أم الغزال أو كما قال طرفة: