خذول تراعي ربربًا بخميلة ... تناول أطراف البربر وترتدي
وفصل شيئًا في هذا المعنى. وشبه ثغرها بخمرة من بيت رأس شجت بماء مزن غريض أو كما نظر إليه حسان فقال:
كأن سبيئةً من بيت رأسٍ ... يكون مزاجها عسلٌ وماء
وفصل شيئًا في هذا المعنى ثم قال:
فدعها عنك إذ شطت نواها ... ولجت من بعادك في غرام
وهنا عود إلى أصداء التجربة الأولى.
وأنفاس زهير أحر من أنفاس النابغة حين يحملان كلاهما أنفاس التجارب اللاتي أوحيا بها فيكررانها على نماذج النسيب ليذيباها فيها. ذلك أن زهيرًا لا يكاد يقارب التصريح بإيحائه أو يفارق ملازمته النموذج منذ البدء كما رأيت، والنابغة مما يقارب ويفارق. وأحسب من قدموا زهيرًا -وفيهم سيدنا عمر- قدموه لذلك. وأنفاس زهير يدانين أنفاس امرئ القيس إلا أنهن أقصر وأوشك مرًا وأضيق مدى، وجرير مما ينظر إلى زهير والنابغة معًا ونظره إلى الأول أشد. والفرزدق مذهب وحده قد نلم به، وفي الجزء الأول شيء من ذلك. والأخطل مما ينظر إلى زهير ولكن احتذاء النابغة عنده أقوى وأبين، ونفس النابغة قد يخالطه عنده برود وإن خالطته نشوة نسيمية جذلة من الترنم والتلذذ بالجمال. وبعد فعسى هذا الذي ذكرناه أن يكون تمهيدًا صالحًا.
هذا، وللشعراء معان يأتون بها في داخل إطار النموذج النسيبي بغرض أن يوحوا أو يومئوا إلى التجارب. وهذه المعاني كثيرًا ما يغلبهم عليها قصد التجويد الفني وعرفه، فتنخرط في النموذج وتصير ضربًا من أطلاله وبروقه ودياره وأثافيه ورموزه العديدات. ولكنها تبقى مع ذلك تحمل في غلقها شدوًا عميقًا بلوعة الجنس