ومودة النساء وأرب الوصال. هذا الشدو دليل ما قدمناه لك في أول حديثنا عن زيادة الحرق وحرارة البيان عنها، مع زيادة الحرمان. وقد رأيت بعد كيف أن حرمان العرب المزدوج، من أثر البيئة وقانون الغيرة، قد حملهم أن يسيروا بالتعبير الغزالي على مسلك مثل ظبة السيف.
وظبات السيوف مما يشتبهن وجميعهن قواطع، ومما يختلفن مع هذا، في البريق والمعدن والهيئة وحالي الإرهاب والإرهاق. وكذلك مسالكهم في القول الذي يسلكون، ومعانيهم التي يتداولون.
فمن هذه المسالك والمعاني نعت النظرة والثغر والترائي وموافاة الطيف واعتلاج الذكرى. وسنذكر من هذه باختصار لنمثل ليس إلا، لأن أكثرها مما يقع في باب الجمال وأوصاف النساء، وهذا سنفصل فيه شيئًا وسيشمل بعض ما ههنا. فمما نعتوا به النظرة التشبيه الدائر بعين المهاة والغزالة الخذول. وهذا يراد به التنبيه على مكان اللطف والرقة والحنين وعمق اللوعة عند المرأة، والتشبيه الدائر بالرمية وهذا يراد به وصف الهوى وعلاقته بالنظر وسرعة إصابة النظر للأفئدة والوصف الدائر بالنعاس، وهذا فيه إشعار بمناغاة الحب ودلاله وإدلاله وتفتيره ورغباته وهلم جرا. ومما نعتوا به الثغر التشبيه بالأقحوانة، وصفة بريق الأسنان، وتمثيلها بالبرد، ومقارنة طعم الثغر ونكهته بالراح تمزج بالماء والعسل. وقد بلغوا بهذا من النموذجية أن جعلوه وسيلة إلى الخروج بنعت الراح ونعت العسل أنفسهما وشرعاء هذيل مما يطيلون إذا أخذوا في هذا القريّ، وموضع الحديث عنه باب الخروج. ومما نعتوا به الترائي إظهار الشعر وإتلاع الجيد، وأكثر ما يذكرون هذا في معرض الحديث فيصفون الحديث نفسه ويدخلونه في نعت الثغر أو يدخلون نعت الثغر فيه، أو يجعلونه حوارًا مغنيًا عن كثير من ألوان النعت -هذا إذا ذهبوا مذهب القصص أو راموا رومًا من تشخيص. ومما نعتوا به الطيف -وقد مضى طرف منه- نعته بتكلف الأهوال ليصل إلى من يصل