للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر الشعث عند النواحل فيه الأشعار بأقصى البين، وأبعد ما يكون ذو هوى من النساء، وإذا برويقة تجامل بزيارة وهي المكسال السئوم، وعدم التوقع السحيق يزجر حتى هذه المجاملة الخيالية، فيصحو الشاعر ليجد النواحل -وقد رأى من رويقة ما رأى تلك التي تمشي الهويني ولا يبدو لها قدم- وفي الإشارة إلى القدم ههنا أيما إيحاء باللوعة كما في الإشارة إلى الرقود عند النواحل من قبل. ثم أضف إلى هذين ارتياع الشاعر ودهشته وسأم هذه التي تجشمت الصعاب إليه ليكتمل عندك قوة الإيحاء بالرغم من نموذجية المأتي.

وقال الأخطل.

طرق الكرى بالغانيات وربما ... طرق الكرى منهن بالأهوال

حلم سرى بالغانيات فزارني ... من أم بكرٍ موهنًا بخيال

أسرى لأشعث هاجدٍ بمفازة ... بخيال ناعمة السرى مكسال

فلهوت ليلة ناعمٍ ذي لذةٍ ... كقرير عينٍ أو كناعم بال

فهذا جرد الشعثة من معنى الرثاء، وجعل صيغة الأشعث الهاجد بالمفازة وسيلة إلى الظفر كما يظفر القرير الناعم البال. والفرق بينه وبين زياد بن حمل أنه جرد الهجود في حين أن زيادًا أضافه إلى النواحل. وأنه أفراد الأشعث فهيأ الخلوة في حين أن زيادًا جعله مع شعث مثله، وأنى لرويقة الحيية أن تجود بزيارة وصال مع ذلك، إنما تطرق فتروع وتؤرق.

هذا ونعت اعتلاج الذكرى باب فسيح يدخله جميع ما عددنا وغيره مما لا نعدد. وملابسة الذكرى لوقفة الأطلال أمر معروف، وموضع التنبيه بذلك إلى معنى الشوق والحب واضح لا يخفى. وما افتتح به مصرحًا بلفظ الذكر كثير، منه قول السعدي:

ذكر الرباب وذكرها سقم ... فصبا وليس لمن صبا حلم

<<  <  ج: ص:  >  >>