والشعراء مما يعمدون إلى ذكر الحركة أو ما بمعناها من جولان الحيوية ليخرجوا بالتشبيه النموذجي من مدلوله العام، أو قل ليضيفوا إلى مدلوله العام وحيا بتجربة خاصة أو حالة خاصة يزيد معها معنى اللوعة. قال المرقش الأصغر:
رمتك ابنة البكري عن فرع ضالة ... وهن بنا خوضٌ مخلن نعائما
وهذا تسجيل خاطف لنظرة سريعة.
حذف الشاعر تشبيه عين الفتاة بعين المهاة لعلمك به وهو متضمن ينبغي ألا يغفل عنه، وذكر الرمي وجعل العين فرع ضالة أي قوسًا من فرع ضالة ليشعرك أن النظرة كانت رشقًا، من جانب منصاع. ثم قد كانت نظرته هو التي تلقت الرشقة جانبية أيضًا يدلك على ذلك ذكر خوص المطايا ومطيته منهن خوصاء مثلهن تنظر بمؤخر عينها، وهو -وذلك مفهوم ضمنًا- ينظر كنظر ناقته- فاتصلت النظرات الثلاث جميعًا واختلطت في لحظة مفعمة انقضت ساعة كانت، وما هو إلا أن يجد الشاعر نفسه قد خلف كل ذلك وراءه وإذا هو بين إبل مرقلات في البيداء كأنهن النعام- هيهات ذات النظرة. ولا يخفى أن أسلوب المرقش ههنا في تسجيل النظرة كأسلوبه في تسجيل الطيف إذ قال «إذا هو رحلي والبلاد توضح».
وقال امرؤ القيس:
تصد وتبدي عن أسيلٍ وتتقي ... بناظرةٍ من وحش وجرة مطفل
فجاء بالتشبيه النموذجي مثبتًا، مشتملاً على كل ما توحي به معانيه، ثم خصصه بحركة الاتفاء، وجمع هذه الحركة إلى حركات أخرى، فأوحى بتجربة كاملة من الفتنة هي ضرب مما يقع فيهيج النفوس وقال أيضًا:
وما ذرقت عيناك إلا لتضربي ... بسهميك في أعشار قلبٍ مقتل