أمن ذكر سلمى إذ نأتك تنوص ... فتقصر عنها خطوةً وتبوص
وكم دونها من مهمةٍ ومفازةٍ ... وكم أرض جدبٍ دونها ولصوص
تراءت لنا يومًا بجنب عُنيزةٍ ... وقد حان منها رحلة فقلوص
وهذا جيد إذ هي القلوص والنساء إنما يختار لهن البكر الذلول، وإنما دعاه إلى ذكر القلوص أنه كان هو المرتحل والقلوص قلوصه لا قلوصها وهي القلوص:
بأسود متلف الغدائر واردٍ ... وذي أشر تشوفه وتشوص
منابته مثل السدوس ولونه ... كشوك السيال فهو عذب يفيص
والصاد عناء وهمس. ولذلك -أحسب- ركبها امرؤ القيس إذ مراده التحسر. وهذا الذي يذكره من المراءاة ليس إلا اقتراحًا لمعنى شقة البين بينه وبين لهو الحديث، وعسى أن يكون فيه صدى تجربة، ولكنه صدى سحيق البعد، وليست الإشارة إلى التجربة هي مراد الشاعر ههنا. ويقول بعد:
فهل تسلين الهم منك شملة ... مداخلة صم العظام أصوص
فهذا يدلك على حقيقة قصده إلى الشكوى ورثاء النفس وطلب السلوى ولا سلوى وقال المرقش الأصغر:
تراءت لنا يوم الرحيل بواردٍ ... وعذبًا لثنايا لم يكن متراكمًا
فأشعر بتجربة، إذ ليس وصف المراءاة نفسها هي المراد ههنا، ولكن المراد، تسجيل النظرة التي نظرها الشاعر وأثرها الذي أحدثته في نفسه. وفرق ما بين هذا وكلام امرئ القيس، أن المرقش يذكر حالة رحيل، ويلحق ما كان من إظهار الشعر بلمع من الثنايا، ويومئ إلى ما لاح له فتبينه من فلج الأسنان أو تفلج الابتسام، أما