هي تجربة مراقبة الظعائن. أما الافتعال، فلأن فاطمة كانت مصارمة مخاصمة وليس ثم من ظعن، فتوهم لنفسه عهد كانت تظعن، وقد علق فؤاده حبها، ولم تطرأ بعد طارئة خصام. أما التذكر فما يخالط هذه التجربة المفتعلة من استحضار صور الاستمتاع برؤية الظعائن في دهر قد مضى- فاطمة أو غيرها.
وإذ التجربة مفتعلة، وإنما هي مسوقة لتقوية معاني التجربة الأصلية، فإن روح التجربة الأصلية تلابس الوصف النموذجي أي ملابسة، فتخرج به عن ظاهره في ذلك، وهذا منه لا يفطن له المرء إلا مع قراءة القصيدة كلها وتتبعها. فأول ذلك ملاحقة ذكر المواضع في إسراع وفي هذا محاكاة لما يكون في الخروج من قصة الرحلة وتشمير السير ولولا خوف الاستطراد وسبق ما سيجيء إن شاء الله لوقفنا عند هذا المعنى، ولكن بابه الخروج. ولا بأس أن نشير ههنا إلى أن أبا الطيب المتنبي مما يذهب مذهب الخروج كثيرًا للإشعار بالجد، من ذلك مثلاً تعداده المواضع في كلمة الألف اللينة:
ألا كل ماشية الخيزلي ... فدا كل ماشية الهيدبي
وإنما كان يتغنى بنشوة تشميره في الفرار من كافور، وهذا -أي المثقب- يريد أن يهدد بتشمير زماع وقد حوله إلى ظعينة كما ذكرنا.
وثانيه، حين هم أن يرتاح إلى نموذجية الظعائن في تشبيه السفينة التفاته كالممتعض إلى الإبل المشمرة، وهي نفسه، ثم حين ادعى أنه ينظر ويتأمل الحسان الراحلات عليها، لم يقدر أن ينجو بنفسه من خاطر لوعة وحسرة واعتراف بالعجز وفوات الأمل:
وهن على الرجائز واكناتٌ ... قواتل كل أشجع مستكين
والصدر صورة مفعمة بمعنى الحركة الدالة على تمام الرضا، ثم الرغبة الملحة من