«فإني لو تخالفني شمالي إلخ» ولكنه ذو جانب مهيض وغضبة يأس تتجاوز مجرد التهديد إلى ضرب من التأسي بتقليد فاطمة في الذي كان من قلة اكتراثها، بقلة اكتراث أخرى تشابهها من جانبه.
وعمد المسكين إلى الناقة ليجد، وهي رحلة لا يدري غرضها ولا مداها، وإنما هو استشعار اليأس وطلب السلوى، ولعلها رحلة خيالية يتوهمها أو رحلة من هذه الرحلات التي يدفع إليها قلق العربي واستدرار الشعر كما فعل الفرزدق حين ركب الناقة وأهاب بشياطينه لينجدوه وقد بلغ المثقب من العناء بدوسرته مبلغًا. ثم التفت ليرثي لها، وإنما يرثي لنفسه من هذا العناء الذي لا طائل وراءه ولا أرب خلفه. وقد فطن أبو عبيد البكري، كما قد نبهنا إلى هذا في غير ما موضع، إلى مكان رثاء النفس في أبيات المثقب.
إذا ما قمت أرحلها بليلٍ ... تأوه آهة الرجل الحزين
وقد مرت بك، بما زعمه من أنها خروج من الوصف إلى المناجاة (١).
والحق أن الناقة هنا هي المثقب نفسه.
وبعد أن قضى أربه من الرثاء والبكاء التفت مرة أخرى إلى عنائه فعزم أن يجعل له أربًا، ولرحلته غرضًا ومدى. فذكر عمرًا وانتشى لذكر عمرو:
فرحت بها تعارض مسبطرًا ... على صحصاحه وعلى المتون
إلى عمر ومن عمرو أتتني ... أخي النجدات والحلم الرصين
ولعل عمر أول ما هم بذكره كان عمرو بن هند أو سيدًا من ضريبته، عزم الشاعر على قصده ليتسلى به من الهم وبما يعقبه عليه السير من شرف الوفادة والرفادة.