ولكن سرعان ما يصير عمرو المبدوء به عمرًا آخر، عمرا يشك الشاعر فيما سيجده عنده، ولعله سيتنكر له كما تنكرت فاطمة ولا يجد في خطابه ومصاداته أكثر مما وجد في خطاب فاطمة ومصاداتها، وآخر القصيدة معروف:
فإما أن تكون أخي بحق ... فأعرف منك غثى أو سميني
وإلا فاطرحني واتخذني ... عدوًا أتقيك وتتقيني
وما أدري إذا يممت أمرًا ... أريد الخير أيهما يليني
أألخير الذي أنا أبتغيه ... أم الشر الذي هو يبتغيني
وهنا ترى مصداق ما قدمناه من أن عسى أن يكون عمر وهذا رمزًا لفاطمة. أم عسى أن يكون فتاة أخرى أراد ليفزع إليها من فاطمة؟ ومهما يكن فإن فاطمة نفسها لم تخرج عن أن يجوز أنها رمز لغير امرأة، مما يعن من حاجات النفس، وهذا معنى قدمناه. وما يصدق عليها، يصدق على المفرور إليها منها- فهذا هذا، وتلاحم هذه القصيدة ما ترى، وإنما أضربنا عن تفصيل الخروج الذي ينعت فيه الشاعر سفره وناقته لما اعتذرنا به من ضرورة إرجاء هذا إلى بابه، وهو في تماسكه مع ما قبله وبعده كسائر ما كنا فيه. ونأمل بعد أن يكون الذي أردنا من تأويل نموذج الظعينة في مثالنا الثاني قد اتضح. وإنما دعا إلى ذكر ما قبله وبعده ظاهر نموذجيته الجهير، الذي لا يستدل على باطنه المستتر وحركته القلقة المضطربة والمسرعة المترددة معًا إلا بنحو مما فعلنا والله أعلم.
هذا والمثال الثالث من أمثلة نموذج الظعينة قول القطامي، من قصيدته «ما اعتاد حب سليمي حين معتاد».
كنية الحي من ذي الغضبة احتملوا ... مستحقبين فؤادًا ماله فادي
بانوا وكانت حياتي في اجتماعهم ... وفي تفرقهم موتي وإقصادي
أرمي قصيدهم طرفي وقد سلكوا ... بطن المجيمر فالروحاء فالوادي