يخفون طورًا وأحيانًا إذا طلعوا ... نجدًا بدا لي من أجمالهم بادي
وفي الخدور غماماتٌ برقن لنا ... حتى تصيدنا من كل مصطاد
يقتلننا بحديثٍ ليس يعلمه ... من يتقين ولا مكنونه بادي
فهن ينبذن من قول يصبن به ... مواقع الماء من ذي الغلة الصادي
ألمعن يقصرن من بُختٍ مخيسةٍ ... ومن عرابٍ بعيدات من الحادي
تبدو إذا انكشفت عنها أشلتها ... منها خصائل أفخاذٍ وأعضاد
من كل بهكنةٍ ألقت إشالتها ... على هبل كركن الطود منقاد
وكلك ذلك منها كلما رفعت ... منها المكري ومنها اللين السادي
حتى إذا الحي مالوا بعدما ذعروا ... وحش اللهيم بأصواتٍ وطراد
حلوا بأخضر قد مالت سرارته ... من ذي غثاءٍ على الأعراض أنضاد
قفرٍ تظل مكاكي الفلاة به ... كأن أصواتها أصوات نشّاد
ما لي أرى الناس مزورًا فحولهم ... عني إذا سمعوا صوتي وإنشادي
وهذا نموذج نسيب، تداخله تجارب نظر عارم، وفرق ما بينه وبين المثالين السابقين كليهما أنه لا يستبطن قصة حب ضائع تشوب نعت الاستمتاع بمرارة الأسف. ولعلك تساءل ههنا كيف فرقناه ههنا عن نسيب زهير مع أنا قرناه آنفًا به وفرقنا نسيب المثقب والسيب إن مرادنا هناك قد كان التدليل على ما يكون من صلة بين غرض القصيدة ونسيبها في معرض التدليل على مكان الاختلاف بين النماذج المتشابهة. والصلة في هذا الباب بين كلا نسيبي زهير والقطامي واضحة جدًا كما بينا وكما سنبين إلا أنها قد كانت مما يحتاج إلى بسط في نسيب المثقب فلذلك أفردناه. أما ههنا فالشبه بين المثقب وزهير ما ذكرنا وهو سبب جوهري في مذهب الغزل والنموذج، وكون الأمثلة الثلاثة متشابهة من حيث أن ما بعدها متصل بما قبلها في حقيقة أمر النفس الشعري الذي هو جوهر الوحدة في القصيدة، أمر لا يخفى بعد.