هذا وفي نسيب القطامي دعوى يدعيها لبقية من شباب وفحولة كما عند علقمة، ومن هنا يباين زهيرًا شيئًا كثيرًا إذ ذم زهير للحرب أصرح وإنما يعتذر للحفاظ مع دفاعه عنه. وفرق ما بين القطامي وعلقمة أن دعواه للشباب أشد، لأنه لا ينهي نفسه عن الصبا ويقول «دعها» على حاجة في النفس كما فعل علقمة. وكيف ينهي نفسه وهو مقدم على تغن بشكر عدو وانتصاف لنفسه، ومفاخرة بها وبقومه وتعداد لأيام الحرب. على أن الأسى العميق المستفاد من معنى فوت الظعائن، وهو كناية عن فوت المتع في هذه الحياة يلاحق ما قدمناه من غرضه ويشوبه باستشعار الموت وقبحه، وكراهية الحرب والنزاع إلى السلام، ذلك السلام الذي رحل ثم استقر مع الظعائن عند الوادي الأنيق. ولعلك هنا تستحضر ما قدمنا لك من قبل في باب رمزية الحمامة للمرأة، وما عليه الناس في عصرنا هذا من رمزية الحمامة للسلام.
وألفت القارئ ههنا إلى جانب الحركة من مجموعة في أبيات القطامي والمجموعة أراد دون واحدة فيها كما فعل زهير وكما فعل المثقب والله أعلم. فأول ما يستهل به أنه ينظر إليهم وقد سلكوا طريق الرحيل ثم أموا برقا في خيم، وسيصلون هناك ويضربون الخيم وتقيم فيهن البروق. وآية ذلك أنهم أرسلوا روادهم ليرودوا صنيع هذا البرق عند القرية. والحركة هنا لا تخفى.
ثم أمعن الشاعر في النظر وأجمل ما يكون في تتبع الظعائن من مقاربة ومباعدة.
يخفون طورًا وأحيانًا إذا طلعوا ... نجدًا بدالي من أجمالهم بادي
وهذه النظرة مما يشعر بتتبع الجماعة، إذ هو في تأمله وترقبه عود المشهد إلى الظهور بعد أن غيبته الأهضام، أول ما يرى منه يرى بعيرًا باديًا فيكون ذلك مؤذنًا بقرب تكامله كله عما قليل. وهنا، من هذا البون العزيب، يدني الشاعر الظعائن، فيذكر أول حالهن عند وشك الرحيل، إذ كان ينظر إليهن ويحدثهن حديثًا لا يراه ولا