يسمعه أولياؤهن أهل الغيرة والشكيمة -وذلك حديث العيون والتحيات وابتسام الثغور. وقد شبههن بالغمامات- ومعنى التشبيه قد مر بك. والصورة الجمالية لا تخفى، ثم أحدث فيهن الحركة بالبرق وفيه ما ذكرنا ثم فيه صفة النظر الصائد، وهذا متضمن لمعنى التشبيه بالسهم، ثم فيه هذا الاتقاء، والاتقاء كأعنف ما يكون من صراع. ثم ضمن معنى حديث النظر إليهن معنى حديث آخر، من الحديث الذين يكون فيه الترائي والكلمات والاتلاع وألق الثغور والأجياد، وهذا قد كان قبل عهد الرحيل، وقد كان عنه الرقيب غائبًا. ونظراتهن لو كانت ساعة الرحيل الذي يصفه رشقًا لأصمت بالعلوق ليس إلا، ولكنهن نظرات يبتسمن بالتلميح إلى عهد حديث ومراءاة، فهذا الذي يجعلهن من قبيل القول العذب، الذي يصيب مواقع الماء من ذي الغلة الصادي. ويؤكد هذا المعنى قوله «ألمعن» من البيت الذي يلي:
ألمعن يقصرن من بُختٍ مخيسةٍ ... ومن عرابٍ بعيدات عن الحادي
والحركة هنا ظاهرة المكان. وبعد الحادي كناية عن أن الركب قد تحرك أوله وهن إنما بلغهن حدث الحركة بأخرة، فهن قصرن من الأزمة في منازعة ما بين المضي والريث القليل. وهن إذ يفعلن هذا يبدو منهن، من ضرور المراءاة ما لم يقصدن حتى يوم تعمدن المراءاة أن يبدينه. قال أبو الطيب وكان رحمه الله من أصحاب الرجعة إلى القدماء وإلى الأصول في تجديده الذي لا يدفع موضعه:
وجلا الوداع من الحبيب محاسنًا ... حسن العزاء وقد جلين قبيح
من ذلك انكشاف الأشلة عن الرواحل، فتبدو خصائل أفخاذهن وأعضادهن. ولا تهمن أن الشاعر إنما أراد هنا وصف أفخاذ الرواحل وأعضادها لا غير. فبعير الحسناء مما يزخرفه الشعراء حتى يجعلونه (وإن شئت فقل يجعلوه والرفع أجود وأحب إليّ) كالحسناء. وقصيدة حميد بن ثور القافية، وقد استشهدنا منها بأبيات السرحة، شاهد في هذا، ومعظمها وهو أطول مما تمثلنا به هنا يصف الظعينة