وراحلتها ويزخرفه حتى قد آض كالعروس. ولولا أن الذي يدخل منها في باب مقاييس الجمال كثير، لكنا جئنا بها في هذا الموضع، وقد نتعرض لها أن تيسر ذلك. وقد فطن النقاد القدماء إلى أن القطامى مما يداخل نعت الإبل في نعت النساء ورموه برمية من نوافذهم حيث قالوا عن لاميته، لو كان قوله:
يمشين هونًا فلا الأعجاز خاذلةٌ ... ولا الخصور على الأعجاز تتكل
في صفة النساء لكان أشعر الناس. وما كان ليغيب عن النقاد القدماء أن الشعراء قد يداخلون نعت النساء في نعت الإبل، من ذلك قول المرقش:
رمتك ابنة البكري عن فرع ضالةٍ ... وهن بنا خوص يخلن نعائما
وفيهم من قدم المرقش على امرئ القيس. وليس مثل هذه المداخلة من فساد الذوق، إنما هي من قبيل ما يصنعه الفنان الراسم من توحيد أطراف الصورة بسمت واحد. وقد ذكرنا أنهم مما كانوا يريغون إلى التجويد، ومن حاق تجارب النفوس العميقة أن تطلب التسامي بالفن والتجويد.
هذا، وقد كشف القطامي مراده من توحيد الصورة في قوله:
من كل بهنكةٍ ألقت إشالتها ... على هبلٍ كركن الطود منقاد
فكما تنكشف أشلة الرواحل، تنكشف إشالات الظعائن، وكما تبدو خصائل الأفخاذ والأعضاء من كل هبل كركن الطود منقاد، كذلك يبدو منهن، وفي ذكر الانقياد إشعار بنعتهن، وفي ذكر الطود إشعار بالمقابلة لأن خصائل البعير فيهن الخشونة وما وصف طرفة، ومع هذه المقابلة اتحاد فتأمل. واللوعة والاشتهاء الموحي بهما في هذا التكشف مما لا يغيب.
ثم أشعرك القطامي أنه لا ينظر إلى واحدة بعينها، وهذا إكمال لتوحيد الصورة، في قوله:
وكل ذلك منها كلما رفعت ... منها المكري ومنها اللين السادي