واللين السادي أسهل انسيابًا من المكري على بطئهن جميعًا.
ثم قابل ما بين هذا البطء والتباطؤ بانتقال مفاجئ إلى البون البعيد، حيث انخرط سير القافلة، وتناءت عنه بمراحل، واندفع الفتيان يطردون الوحش ليصيدوا ثم يؤوبوا ليتحفوا الفتيات بما يشتوين عند المقيل. وذكر الوحش والطراد فيه إشعار بلذة الصيد، وما يتمناه الشاعر من أن لو كان مع الظاعنين. أو كما قال أمية بن عائذ:
ألا إن قلبي مع الظاعنينا ... حزينٌ فمنذا يُزي الحزينا
ثم قد نزل الحي الظاعن ليقيل، والشاعر من شوقه يتأمل حيث نزلوا، وقد جعله جنة من جنان الغزل، اديا مطمئنًا، مرتفعًا ارتفاعًا رخيمًا رهوًا عن قرارة مجرى السيل. وقد كان السيل قد فاض حتى غشي أدنى العدوة التي نزلها الحي ليقيل. ومن ثم مالت سرارته. وقد انحسر عنها فيضان السيل على أطوار، فترك عند كل موضع رتب فيه فيضانه قبل أن ينحسر خطًا من الغثاء. فأنت ترى جانب السرارة الآن، أنضادًا فوق أنضاد من جراء ذلك.
وفي هذا، عدا تأمل الطبيعة، توحيد صورتها مع صورة الغمامات ذات البروق التي أحالها إليها في رائعة من النهار، توقد بالفلاة منها الحززان ويلتمع السراب. ثم أكمل الصورة بما يناسب الغزل من ترانيم الغناء. وما في شدو المكاكي وسائر أصناف المغردات من الإيحاء ما كنا ألمنا بمعناه آنفًا بمعرض الحديث عن هديل الحمائم. وقد شبه أصوات المكاكي بأصوات النشاد، جمع ناشد وهو الذي أضل شيئًا، فهو يصيح يبحث عنه- ليلد على التجاوب وعلى مراجعة الأصداء. ثم في هذا رجوع إلى نفسه إذ قد أضل الظعائن فهو ناشد، وهو صادح، وهو أيضًا منتش بلذة ما كان من منظر وخيال، وهنا، إذ بلغ هذه الذروة، جاز له أن يتحدى بما كان أثبته في أول قصيدته من