ولقد كانت الجن التي تعمر صحراء العرب تشاركهم الولع بالأخبار. وقد أثبت القرآن في هذا أخبارًا لا مدفع لها، من وفود جن نصيبين أو سواها على الرسول صلوات الله عليه، في مرجعه من الطائف، فقالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} وفي سورة الأحقاف: {وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ}. وفي السيرة أن إبليس تمثل بصورة شيخ نجدي ليشهد نجيّ قريش، وأن الجن هتفت بهجرة النبي. وقصة استراق الجن للسمع من السماء معروفة.
وقد كانوا يوالون من العرب ويعادون. وربما تيموا أو قتلوا. وممن قتله الجن في الجاهلية حرب بن أمية:
وقبر حربٍ بمكانٍ قفر ... وليس قرب قبر حربٍ قبر
وسيدنا سعد بن عبادة في الإسلام:
قد قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادة
ورميناه بسهمين فأصمينا فؤاده
وادعاء الكهان والشعراء في تلقي الأخبار من الجن والشياطين معروف.
هذا، وكان التبليغ الواضح بمكافحة اللسان والبيان، أكبر وسائلهم في نقل الأخبار. وهذا كان يقتضي المسرحية في التعبير ضربة لازم. وكان الشاعر بحكم طريقته المباشرة لإرادة التبليغ كما قدمنا في أول تمهيدنا، مسرحيًا في جل تعبيره، قصصيًا واصفًا في كثير منه، مطربًا ممتعًا متغنيًا في كثير منه. فاجتمعت بذلك لديه في مذهبه الواحد فنون الشعر الثلاثة التي زعمها نقاد الإفرنج، وغيرها مما لم يذكروه كالذي رأيت من اشتباكات الكناية والرمز والوحي والتلميح، على نحو ما -هو نحو