القصيدة- ومن أجل هذا ما ننكر وسم القصيدة بأنها فن غنائي خالص من فنون الشعر، إلا في قول من يقول إن الشعر كله غناء.
ولقد اتسعت معارف الناس الآن حتى قد علموا أن ليست المسرحية هي الفصول وخشبة المسرح ذات الستائر وما بمجراها، وتعدد الأشخاص المتحاورين والعقدة، كما قد اتسعت في زمان مضى في أوروبا فألغت ما كان يشترطه المذهب الكلاسيكي من وحدة الزمان والمكان والحدث.
وجوهر المسرحية الخطابة الموضحة لحال مع التشخيص بالصوت. وتعدد الأشخاص واتخاذ موضع يعين على تمثيل الحال من خشبة مسرح وما إليها، كله من باب تجويد المسرحية وقد ينتقد بأنه فيه افتئات على خيال السامع وذكائه. وقد عرض لهذا المعنى بريستلي في كتاب له مختصر عن المسرح. وقد كان الإغريق يتوسطون بين تعداد الأشخاص وأفراد قاص، بالرسول الذي يضعون على لسانه صفات الأحداث الهامة ويعهدون إليه بتشخيصها. وكانوا مما يتلطفون إلى مجاملة خيال السامع وذكائه بالنشيد المشترك (الخورس) الذي يبعد به عن جو المشاهدة إلى جو من التأمل. وقد كانوا مما يتجنبون الحركة ويعتمدون على جهارة الصوت وتنويعه، ويتخذون لذلك الأبواق. ومما يدلك على أن العقدة ليست بشرط، أن المآسي الإغريقية كانت معروفة، فلم يكن من غرض الشاعر عندهم تشويق السامع إلى نهايتها أو أحداثها، وإنما كان غرضه إيقاع العبرة والعظة وروح التعبد بما يفتتن فيه من إتقان. ولقد يكفي الآن في الفن المسرحي أن يشخص الممثل قطعًا من خطب شكسبير فيهبر بالافتنان من دون أن يمضي في الرواية إلى آخرها. ومسرحية ميلاد المسيح ورسالته، وهي مما مهد لفن المسرح الأوروبي الحديث كانت تجري بعض هذا المجرى. والحق أن العقدة لاحقة بالقصة، فمن أراد القصة في أداء مسرحي عقد، ومن لم يرد لم يعقد.
ونحن لا نريد ههنا أن ندعي للعرب أنهم عرفوا فن الدرامة كما عرفه إغريق