يقارب إليه أو يبلغ في بعض ما ابن به جعثن نفسها، وذلك قوله:
وقد علم الفرزدق حين تشكو ... عروق الكليتين من الطحال
على أنه قد اعتذر لهذا بالهزل في البيتين قبله وبعده.
ومما يدلك على كراهة العرب أن ينحي بهذا وما إليه منحى الجد ما عابوه على امرئ القيس في قوله:
فمثلك حُبلى قد طرقت ومُرضعٍ ... فألهيتها عن ذي تمائم محول
إذا ما بكى من خلفها انصرفت له ... بشق وتحتي شقها لم يُحول
والبيتان جيدان وللفن حدود ينبغي أن يوقف عندها وكان امرؤ القيس لا يقف فمن أجل هذا ما عاقبته العرب عقابًا لم تعاقب به سيدًا من ساداتها، حتى لقد آل أمره إلى أن يكون ماله المعزي بعد الإبل، وإلى أن تتجهمه بنو شمجي بن جرم وإلى أن تلاحقه العرب بالتعيير بعد رحلته إلى قيصر فينسبوا إلى موته ما نسبوا من أمر الحلة المسمومة. وقد أثبت الإسلام له فضيلته في الشعر، ثم جعله من أهل النار حتى إن أبا العلاء لم يجسر على الاحتيال له في جنته الخيالية، ولو قد قدر لفعل.
وقد علمت العرب أن النابغة لم يكن بجاد على ما جاء بكلامه في محمل الجد، فلاحقته بشيء من معرة. وأثبتت رأيها في أنها لم تنسب الغيرة إلى النعمان بادي بدا على قبحه وأشره، ولكن نسبتها إلى المنخل وادعت له علاقة حب من المتجردة، وكأنها أحست حسًا نما ما في نحو قوله:
فبكت وقالت ما بجسمك يا منخل من حررو
فجعلته بشيء بالنابغة عند النعمان. فجعلت كما ترى غيرة النعمان بأخرة وأرتنا عطفًا على النابغة، وانتصفت له بما كان من قبول اعتذاره، وبما يذكر من أن المنخل حُمل على اليحموم فاندقت عنقه.