وبعد فنريد الآن، بعد الذي ذكرناه، لنعرض عرضًا يسيرًا لهذا الذي يقول به بعض المعاصرين من اتهام العرب بالجنسية والمادية وأنهم لم يفطنوا في باب الغزل إلى نعت النساء بما يكون من محاسن الأخلاق أو يدخل في باب محاسن الأخلاق.
وقد سبق منا أن أجبنا بإجابات في هذا الباب وعسى أن تكون كافية. ولكن ينبغي أن نضيف ههنا تتميمًا وإكمالاً على ما سبق، أن سائر ما كنا فيه من تعداد نماذج أوصاف النساء يشمل جانب كبير منه ما يتعلق بالأخلاق، مساوئ ومقابح. ومنه ما يتعلق بأمر المودة والجفاء في خالص ما يكون من العلاقات البشرية، بغض النظر عن الجنس، وإن كان الجنس كما قدمنا مما لا يمكن أن يدعي استبعاده إلا على وجه التصوف الخالص أو كما قال ابن قتيبة في قول أسلفناه: «لما قد جعل الله في تركيب العباد من الغزل والف النساء، فليس يكاد أحد يخلو من أن يكون متعلقًا منه بسبب وضاربًا فيه بسهم حلال أو حرام (١)».
ولكي نثبت عند القارئ ما نحن بصدده حتى لا نحتاج إلى العودة إليه، نضرب إليه أمثلة ثلاثة من شعر الجاهليين دون غير هم، فيهن ذكر الأخلاق ونعتهن، وهنٌ بعد يتفاوتن في مدلولات الإيحاء فيما بين لوعة الجنس التي يلابسها اشتهاء ولوعة الجنس التي تتسامى إلى الروحي من التسامي، وليضف هذا إلى ما سبق ما زعمناه أمثلة متسامية إن شاء الله. أول هذه الأمثلة قول الشنفري:
ألا أم عمرو أجمعت فاستقلت ... وما ودعت جيرانها إذ تولت
وقد سبقتنا أم عمرو بأمرها ... وكانت بأعناق المطيِّ أظلت
بعيني ما أمست فباتت فأصبحت ... فقضت أمورً فاستقلت فولت
فوا كبدا على أميمة بعدما ... طمعت فهبها نعمة العيش زلت
فيا جارتي وأنتِ غير مليمةٍ ... إذا ذُكرت ولا بذات تقلت