وهل عزف عن أميمة لشائبة من كبرياء. كلا. إنه ليأبى ما يؤبى، وينتحي إلى من ينتحي في مسرته، كأميمة، وإن حال دونها البين- بين الحياء، وبين العفاف، وبين أنه تقلت لئلا تخوى وليست بعد «بذات تقلت».
فهل يا ترى كانت مقيمة أم قد أجمعت حقًا واستقلت؟
فهذا المثل شاهد عدل على أن الجاهليين كانوا يعرفون ويتقنون نعت الأخلاق. ثم هو بعد شاهد عدل في أن الأخلاق في أقصى ذرا مثلها العليا مما لا يخرج في باب الغزل عن معاني لوعة الجنس.
ولعلك قائل بعد فهذا مثل منفرد. والجواب عن هذا ما قال ابن سلام من ضياع أكثر الشعر الجاهلي، وما قدمت من أن الشعراء القدماء كانوا في حرصهم على التجويد وعلى التقية معًا، لا يخترعون نماذج من عند أنفسهم. وإنما يسيرون على ما يعلمون أنه معهود. ومثل الذي قاله الشنفري يعلمك أن نموذجه معهود قول علقمة الذي مر بك من قبل:
منعمة ما يُستطاع كلامها ... على بابها من أن تزار رقيب
إذا غاب عنها البعل لم تفش سره ... وتُرضي إياب البعل حين يؤوب
وهذا كقول الشنفري:
إذا هو أمسى آب قرة عينه ... مآب السعيد لم يسل أين ظلت