وما دونها إلا ثلاث مآوب ... قدرن لعيسٍ مسنفات الحوارك
ولا غرو إلا جارتي وسؤالها ... ألا هل لنا أهلٌ؟ سُئلت كذلك
تغير سيري في البلاد ورحلتي .. ألا رب دار لي سوى حر دارك
وليس امرؤٌ أفنى الشباب مجاورًا ... سوى حبه إلا كآخر هالك
ألا رب يومٍ لو سقمت لعادني ... نساءٌ كرامٌ من حييٍّ ومالك
وأول القصيدة:
قفي ودعينا اليوم يا ابنة مالكٍ ... وعوجي علينا من صدور جمالك
قفي لا يكن هذا تعلة وصلنا ... لبين ولا ذا حظنا من نوالك
أخبرك أن القوم فرق بينهم ... نوىً غربةٌ ضرارةٌ لي كذلك
ولا يخفى أن ابنة مالك وبنات مالك وبنات حيي كل ذلك ههنا كناية عن دار قومه التي أطرد منها أو قومه الذي أطردوه. والصلة النموذجية بين هذا وبين كلام الشنفري لا تخفى. وألفت القارئ بعد إلى أن ابن الرومي، من مقدمي المولدين، قد نظر إلى هذا النموذج، ولو بعين عقله المستتر الباطن، في أبياته التي يذكر فيها وطنه:
ولي وطنٌ آليت ألا أبيعه ... وألا أرى غيري له الدهر مالكًا
والبحر والروي شاهدان يشفان. وليس ابن الرومي ممن يقال ليس له عهد بطرفة. وما الاستراق ولا الإغارة، فيما أرى، أراد. وإنما هذا توارد الخواطر، ذات العلم، كما يقع الحافر على الحافر.
وبعد فأحسب أن مرادنا من الذي تمثلنا به في قول الشنفري قد استبان. والآن إلى المثال الثاني، وهو قول الجميح الأسدي:
أمست أمامة صمتًا ما تكلمنا ... مجنونةً أم أحست أهل خروب