للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنما كبر الجميح اسمها لأنها قهرته فكبرت في نفسه:

أما إذا حردت حردي فمجريةٌ ... جرداء تمنع غيلاً غير مقروب

وكبر نفسه تكلفًا ليضاهئ ما كان من تكبيرها فقال «ما تكلمنا» بضمير التعظيم. ثم تساءل دهشًا فزعًا مغلوبًا على أمره «مجنونة؟ » أي أمجنونة هي فلا تتكلم؟ وكأنه أنكر مكان هذا السؤال وما يدل به على حيرته وانهزامه، فهرب منه إلى تفسير وتأويل يتأوله فقال «أم أحست أهل خروب» وهم قومها -كأنه يوهمك أنهم نزلوا قريبًا فهي تحس لقربهم في نفسها كبرياء وزهوًا من عصبية. ثم كأن هذا لم يرضه، فاخترع -على طريقة نموذج الملاحاة- (أليس في نموذج الملاحاة يزعم عبيد أن صاحبته قد كبرت ثم يرجع فيجعلها شابة ويقول «لا يؤاتي أمثالها أمثالي» - راكبًا خياليًاعرض لأميمة وهو مستن في طريقه فسلب فؤادها وأغراها ذلك بأن تضره وتعذبه، بل ذلك في ذاته مما يكون ضررًا وتعذيبًا كأبلغ ما يكون من ضرر وتعذيب؟ ثم اشتط وراء هذا الاختراع فجعل الراكب غريبًا ذا جمل ملهوز أي موسوم بغير ميسمه هو وفي هذا إشعار بالمباينة والعداوة والضدية- ثم فيه أيضًا (كما يبدو لنا مما يدل عليه ظاهر سياق ابن الأنباري في شرح هذا الحرف) تلميح بأن قد تكون أميمة رغبت في راكب الملهوز لأنه ذو عدد من قومه، وأن له إخوة كثيرين ففي ذلك عصبية له، إذ الأخوة قد يخالفون فيما بين الوسم الواحد يسمون به أبلهم ليشعروا باختلاف ما يملكه كل واحد منهم منها، فهذا ضرب من الوسم الملهوز. ثم إذ استطرد الجميح هذا الاستطراد في متابعة خياله يعتذر عن الانهزام أمام أمامته القاهرة تكلف إيقاع الملامة عليها، مستمرًا في تبرير موقفه: ما لها لم تقل لذلك الراكب، ولو قالت لكانت مصيبة ولكانت صادقة، أن الرياضة إنما تكون للصغار، فلا يبتلينك الله برياضة الشيب مثل زوجي الجميح، أعرض عن هذا، فإن رياضة الشيب عناء.

وقد بلغ الجميح من مغالطة نفسه في هذا التبرير وهو ينظر إلى نموذج الملاحاة

<<  <  ج: ص:  >  >>