للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه أيضًا مذهبا من الكناية. إذ أن راعي الصرمة ليس أحدًا غيره، وما استلبه الذود بعد الذود حتى لم يبق لديه إلا قليلٌ، صرمة راعٍ لا تغلبه لقلتها، فأحرى أن يستلبه ما كان لديه من رعاة الأذواد من العبيد. على أن الرجل الترعية لا يعهد بابله إلى عبيده وإنما يكون الرجل حق ترعية في زمن الشباب وهو زمن الفحولة.

والراعي الذي يحدو الحمر إنما هو فحلها. والعرب كثيرًا ما تفزع إلى هذا النموذج في معرض الكناية عن الفحولة- فعل ذلك رؤية في قافيته وهو يجاري القدماء، فقابل بين الصائد الذي تقهره امرأته الشرسة والحمار الذي يتمرس بآتنه الثمان ويحدوها من مكان إلى مكان.

والإيماء ههنا أنه يقول لها هلمي إلى حاديك، يحدوك بين هذه الأبارق من شظف العيش، فإنك لن تجدي خيرًا منه حافظًا -قال مدلك بن نويرة وكان فارسًا كما كان الجميح فارسًا- (وهذا استشهد به ابن الأنباري في مستهل حديثه عن مطلع قصيدة الجميح وقد كان أعلم بما يستشهد به):

أرى خلتي أمست تتوق كأنما ... ترى أهل دمخٍ أو ترى أهل يذبل

فأدنى حماريك ازجري إن أردتنا ... فلا تذهبي في ريق لب مضلل

ثم إننا سنتجاوزها إلى المشرع العذب والمنهل الرفه:

فإن تقري بنا عينًا وتحتفضي ... فينا وتنتظري كري وتغريبي

وترجم «ليال» (١) هنا «كرى وتغريبي» بمعنى الغارة وهو يجوز إلا أن الوجه أن يجعل الكر للأوبة- أي انتظري تقلبي في أرض الله الواسعة:

فاقني لعلك أن تحظى وتجلبي ... في سحبلٍ من مسوك الضأن منجوب


(١) راجع ترجمته.

<<  <  ج: ص:  >  >>