للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالوا الضأن ههنا كناية عن الخصب قال الأصمعي: «إنما خص الضأن لأنهم إنما يهبون ويذبحون المعزى لضنهم بالضأن. فيقول فلعل الله أن يأتيك بخصب يقل فيه قدر الضأن حتى تذبح فتدبغ جلودها .. وسحبل: سقاء عظيم (١)».

وهذان البيتان الأخيران هما ما صاداها به أو حكاية لما صاداها به وترضاها من القول حتى تلين وتريع إليه من صمتها الرهيب المهيب. ولا يعقل فيمن يقول هذا لزوجته أن تكون حقًا لقيت راكب ملهوز فأنساها إياه بمجرد مروره وكلمة ألقاها إليها.

ولا أحسب بعد إلا أن أمامة قد رضيت بعد هذا الذل الذي ذله لها شيخها- من لا يعطى الآن عن ضربٍ وتأديب!

ولا بأس ههنا أن نذكر أن فرق ما بين نموذجي عبيد ونموذج الجميح هو أن عبيد حمل كلامه كله محمل الهزل والفكاهة الساخرة، وجعل لنا من تغضب زوجته منظرًا يستضحكنا به ويتعرض فيه إلى شيء من هجو النساء- مط حاجبيها وفظاظتها على غير ما يتوقع المرء وعلى غير ما يعهد أو ينبغي أن يعهد من العقائل، بعد اللين الذي هو من صناعتهن وبضاعتهن، وإضمارها حسرة الجنس لأنه لا يؤاتي أمثالها أمثاله (٢) - وماذا عليه من ذلك، أنه مكرمها ومستمتع بها إن أقامت، وأن أبت فلن تذهب نفسه عليها حسرات. ثم يصطنع عبيد مسرحية الرثاء لنفسه إذ يقول أنها تنكرت له من أجل بؤسه ومن أجل أن جميع الناس قد صاروا ألبًا عليه بعد الذي رأوا من انتكاس حالته حتى مواليه الأقربون- فهي معذورة وسبيلها إلى أن تزيد عليهم في هذا الباب أقرب. وكل ذلك منها يطربه مادامت في ملكه وهو يشدو به ويتغنى، كما تغنى من قبل، ولا زال يفعل، بتحطيم آمال امرئ القيس.


(١) المفضليات الكبير ص ٢٩ س ١٢.
(٢) راجع قبله.

<<  <  ج: ص:  >  >>