للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويحسبنا هذا القدر ومنه تدرك إن شاء الله أن شتان ما بين الجميح وعبيد. وقد كان عبيد من الفحول غير مدافع وكان في قومه ذا جدل ولسان وخصومة وبيان. فمثل هذا القري منه لا يُستغرب، ولنا إليه معاد إن شاء الله.

هذا، وأحسب بعد أن مرادنا من المثال الثاني قد وضح وإن القارئ قد تبين فيه نعتًا صرفًا من نعت الأخلاق، وتجربة صادقة مما يجيء في باب المودة والجفاء بين الرجال والنساء. كما أحسبه لم يغب عنه أن اللوعة الجنسية في كلام الجميح لا تتجاوز بحال نداء ما بين الزوجين من حيث الرغبة إلى الألف والصفاء والموادعة إلى شيء من خالص عناصر الاشتهاء. ولعل هذا أن يقع عند القارئ الكريم موقعًا. من حيث أن فضائل الأخلاق نفسها غير منصوص على أسمائها ونعوتها نصًا كما عند الشنفري:

أميمة لا يخزى نثاها حليلها ... إذا ذكر النسوان عفت وجلت

وما عن الشنفري ملابس ومخالط لمعاني الجنس التي هي شهوة، بل ذكر نعوت الأخلاق نفسها طريق إلى الإيحاء بهذه الشهوة فيه- وليس شيء من ذلك ههنا بحال. فتأمل.

والآن إلى المثال الثالث وهو قول المرقش الأصغر:

ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما ... ولا أبدًا ما دام وصلك دائمًا

وتأمل نفيه الصرم ههنا ودعوه دوام الوصل ثم نقضه هذا كله بما أقبل عليه من نعت الظعائن، ولا يكون ذلك إلا بينًا:

رمتك ابنة البكري عن فرع ضالةٍ ... وهن بنا خوص يخلن نعائما

وقد نبهنا إلى ذكره النعائم ههنا وما فيه من إشعار بالبعد واقتحام الدو وزعم

<<  <  ج: ص:  >  >>