للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يعود بنا كما ترى إلى المطلع حيث حياها وزعم أنه لا صرم له اليوم ولا أبدا وأن وصلها دائم- وإنما كل ذلك تذكر بلغ به من القوة أن نقل تجربة الماضي إلى الحاضر فعاشها الشاعر وغمرته وما دارت به الأرض قائمًا إلا لعلمه أنها ذكرى لا حقيقة وأن الحقيقة بين مر قاتم لا يلائمه هذا الاستحضار للماضي العذب اللذيذ.

ورجع الشاعر مرة أخرى إلى الظعائن- إلى الماضي، يتأمله ويلتذ به ثم يطأطئ رأسه وينكت الأرض أسى عيه، وتدور به الأرض وهو قائم، تقريعًا له على الذي فرط فيه:

تبصر خليلي هل ترى من ظعائن ... خرجن سراعًا واقتعدن المفائما

وهذا يوضح ما زعمناه آنفًا في معرض الكلام عن معلقة زهير من معنى المقابلة بين حال انخراط الإبل وحال مقاعد الظعائن المفأمات.

تحملن من جو الوريعة بعدما ... تعالى النهار واجتزعن الصرائما

ثم يقربهن لينظر إليهن على طريقة نعت الظعائن. وإنما يقرب ليترنم بذكرى مجالس من الماضي:

تحلين ياقوتًا وشذرًا وصيغةً ... وجزعصا ظفاريًّا ودرًّا توائما

وهذا الترنم نموذجي السنخ كما ترى:

سلكن القرى والجزع تحدى جمالهم ... ووركن قوًّا واجتزعن المخارما

وترجم ليال على رواية من روى «تخدى» وفضلها وليست بأفضل إذ في ذكر الحداة إشعار بأن الظعائن قد صير بهن إلى حال أخرى لا يذكرنه معها من الانصراف إلى سماع الحداة ومشاركة الجماعة الراحلة، من رجال ونساء، فيما هي آخذة فيه.

وقوله «ووركن قوًّا» ليس فيه ما في قول زهير:

«ووركن في السوبان يعلون متنه»

<<  <  ج: ص:  >  >>