وإن يكن أمر المرقش مع ابنة المنذر قد ألم الناس منه بطرف، فل أبلغ من أن يجعل المرقش كنايته بامرأة من قبيلته الواسعة، ويكون في قوله البكري، كأنه ينسبها إلى الشرف والسناء والصون.
وأنكر «ليال» أيضًا أن تكون ابنة عجلان جارية لأنها عربية. وأحسبه غاب عنه أن الجواري والأرقاء كل أولئك مما كانوا يكونون من نفس العرب- شواهد ذلك السباء مثلاً.
وبعد فما يقوله المرقش بعد هذا ظاهر منكشف الأمر. ولا ريب أنه جاء فاحشة آبدة لا تغفر، بالذي أذاله من سر خليلته إلى صاحبه عمرو بن جناب. وعسى المرقش أن يكون -أيام وصاله- لم يفطن إلى حقيقة ما كان هو فيه من نعمة، ولم يكن يرى هذه التي أنالته إلا بعين من يرى البغي، من أنها ليست بذات سر جد نفيس فيصان. ولكن لما انتبه إلى شناعة ما قد فعل، ولعله رام عودة إليها فصد وابتذل، أشرق عليه بفجاءة أنه يحبها- ومن هنا مبدأ المأساة. وهذا تأويل قوله:
ألا يا اسلمي لا صرم لي اليوم فاطما ... ولا أبدًا ما دام وصلك دائمًا
ولا سبيل له -بعد أن أدرك أنه يحبها- أن يعود إليها، لما يكبره حبه في عينه من حقيقة جرمه الذي ارتكب أي تكبير، ولما يغمره الحياء المنكسر والشعور بالخزي إزاء هذا الجرم أي غمر. وهو يأكل ويشرب لأنه في الأحياء. وقد بلغ أن يرى أنه ليس أهلاً لأن يكون في الأحياء لولا هذا الذي يستشعره من حبها وذكرى وصلها الدائم في نفسه والأمل الخرافي المنزع من وراء اليأس ومع تيقن اليأس. وهو من أجل هذا كله يستحيي فطيمة إذ هو جائع إذ حقه الموت ويستحييها إذ هو طاعم إذ في ذلك من بلادة الحس وعدم المبالاة بما صنع ألا يضرب له من الطعام ومن كل شيء يراد.
وإني لأستحييك والخرق بيننا ... مخافة أن تلقى أخًا لي صارما