على أن وصف عمرو في جملته داخل في صفة الأنثى المثالية المبالغ في كبر أبعادها وسنعرض له إن شاء الله.
وقال الآخر وهو من شواهد النحويين.
لطيفات أبدانٍ دقاقٌ خصورها ... وثيرات ما التفت عليه المآزر
وبين التوسط فيما بين النموذجين ضروب من النماذج تدنو من الخمصانة طورا وتدنو من البرهوهة طورًا آخر، وقد يخلط الشاعر من أوصافهما معًا، وهذا يتعمد، وقد يقع عن غير تعمد من غير الحذاق ولاسيما عند المتأخرين.
على أن المتأخرين مما كلفوا أنفسهم «في واقع حياتهم» مضاهأة مثال نموذج الجمال الفاره، من نماذج الجاهليين، لما فيه من قوة الإشعار بالنعمة وخفض العيش وما يصاحب هذا من السناء ورفعة القدر وهلم جرا.
فهجا أباهم بالحقارة وحقر معه أمهم بما وصفها به من أنها زلاء أي لا عجز لها، وأنها تصطنع لنفسها عجزًا من الخرق تُراكمها ليضخم منظر ما وراءها.
والناس مما يكلفون بتقليد المثل العليا البيانية إن كان يصيبهم منها فخر «مادي» وقصة «إرم ذات العماد» في الزراية بصاحبها وقومه الذين حاولوا تقليد الجنة بشيء يصنعونه على الأرض معروفة. وقد كان الهلاك والبوار نصيبهم العاجل. ومع ما لهذا الخبر من العظة وما فيه من التذكير لم يفتأ جماعة من خلفاء المسلمين ووزرائهم يرومون مضاهأة الجنة. من ذلك حوض الوليد بن يزيد وقد رأيت كيف مصيره كان. ومن ذلك افتضاض جعفر بن يحيى العذارى كل ليلة جمعة، وقد أخذه سيف هارون.