وفي تعبٍ من يحسد الشمش ضوءها ... ويجهد أن يأتي لها بضريب
ونحتار بعد كيف اهتدى شعراء العرب إلى نماذج الفارهة والخمصانة ومزاوجة أصناف ما بينهن على نمط وسنة من القول مع أن واقعهم كانت أغلب عليه النساء الضاويات، وكان التنحيف مذهبا من مذهبهم كما ذكرت أمنا عائشة رضي الله عنها في حديثها من طعام العلقة. وكان أيضًا كثيرًا فيهم اللائي يلوحهن نصب الكدح لشدة عيش الصحراء وحواضرها عند الماء أو ملقى القوافل- قال النابغة (قد مر بك البيت):
ليست من السود أعقابًا إذا انصرفت ... ولا تبيع بجنبي نخلة البرما
وجعلهن سود الأعقاب لكثرة مشيهن حافيات وكدحهن، وظاهر قوله أن منعمته قليل بالنسبة إلى كثرتهن.
وقال الفرزدق:
إذا القنبضات السود طوفن بالضحى ... رقدن عليهن الحجال المسجف
فجعلهن قصارا سودا من الجهد والتطواف في سبيل الرزق أو خدمة من حاله أيسر منهن. والمنعمات الراقدات في ظاهر نعته قليل بالنسبة إلى كثرة هؤلاء. واذكر أن الفرزدق قال هذا في الإسلام حين كان الخفض أعم بكثير مما كان عليه في الجاهلية. ذكروا أنه كان بعد الفتوح إلى قريب من مقدم الحجاج أرق أهل الكوفة حالاً يأكل خبز البر ويشرب من ماء الفرات. فوازن بين هذا وبين حال الجاهلية من أكل قرف الحتى وشراب السدم الأواجن.
وعندي أن الشعراء العرب نظروا في مقاييسهم إلى تماثيل الروم في الدهر القديم، فاستحدثوا على ضوء نماذجهن مقاييس، ثم اتلأب بهم طريق ذلك، وأعني بكلمة الروم ههنا مدلول ما كانت تعنيه العرب بهذا اللفظ من الرومان ومن بعدهم