وهذه صورة تقترح الحركة، وعسى أن يكون النابغة قد رأى بعض تماثيل «أفروديت» أو «فينوس» تعالج قطعة من ثوب. وهذا النموذج في تماثيل يونان ومن تبعهم معروف، ومنه الآن مما اكتشف في المتاحف.
وعسى أن يكون النابغة نظر إلى نموذج بياني نظر إلى ذلك التمثال، إذ عهد عمرو بن لحي ناقل الأصنام بعيد من عهده، وقد سبقت عمرو بن لحي عرب رأت تماثيل الروم وأعجبوا بها بلا شك، كالذي قدمنا من أخبار تدمر وغيرها. مما لم ينتقل هو ذاته إلى أرض العرب، وما لم يبق حتى يشاهده متأخر وهم أمثال النابغة، قد بقيت نعوته في الأوصاف التي يديرها البيان ويتلئب عليها عرف الفن. وأحسب من أجل هذا ما كثر ذكر الدمية في الشعر، حتى قد تبرم به بعض الشعراء الإسلاميين الأوائل كالذي مر بك من قول الحماسي:
معاذ الإله أن تكون كدميةٍ ... ولا ظبية ولا عقيلة ربرب
ونموذج النصيف كثير في الشعر وأشياء مفرعة عنه. من ذلك مثلاً قول عبيد وقد مر:
تدني النصيف بكف غير موشومة
أي ككف التمثال لا كأكف ما كانت عليه نساء العرب من عادة غرز الإبر وهلم جرا مما ذكر طرفة في قوله:
تلوح كباقي الوشم في ظاهر اليد
وقال علقمة:
بعينٍ كمرآةٍ الصناع تديرها ... لمحجرها من النصيف المنقب
وقد نعلم سوى هذا الذي قدمناه أن فن يونان مما تسامعت به الأمم وتناقلته منذ عهد الإسكندر وخلفائه فيما بين وراء النهر وطرف الهند إلى مصر فما ملك