للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يونان. ولا ريب أن العرب قد رأوا منه وتأثروا. ولكن ما بقى في أنفسهم من المقاييس كان من أصل تماثيل يونان أنفسها، أو ما حذى عليها في عهود مقلديهم إلى آخر ما كان من اندراس ذلك. ومن آيات ذلك نعت النابغة للنصيف، الذي ينص نصًا على الأخذ من تمثال أفروديت ذات الثوب، من طريق مباشر أو غير مباشر كما ذكرنا. وسترى بعد شواهد آخر إن شاء الله.

ولقد بقي فن اليونان الناحت، في بيان العرب الذي احتذى مقاييسه، بقاء أطوال مما بقيه في حاق صناعة النحت بعد أن طوحت بأواخر آثارهم في هذا الباب أعاصير الزمان منذ سقوط رومية ثم ضرب الفن البزنطي حيث ضرب بجران. ولقد كانت صناعة العرب، صياغة القول وروايته، يتناقلونها حظًا وقد يخطون منها، فبقي من أجل ذلك في نماذجهم من المقاييس الجمالية «الكلاسيكية» ما بقي بعد ما اندرس في أصولها كما رأيت.

ولم يكونوا حين اقتبسوا من مقاييس يونان في بيانهم مقلدين لا يتصرفون. ولكنهم لما رأوا فأعجبوا راموا أن يضاهئوا بما وهبهم الله من أداة الكلمة المعبرة اتقان ما رأوه، بإتقان مثله من عندهم، يزيدون فيه أن قدروا ويُربون. ولقد تهيأ لهم من القدرة حظ عظيم كما سيرى القارئ إن شاء الله. ولعلنا بعد أن فطنا لهذا نعرض شيئًا عما يُزعم من حسية العرب في الوصف، أن تبينا أنهم ما الحسبة كانوا يبغون ولكن الفن والإتقان وخالص التعبير عن الجمال.

ولعمري أن النحت من الحجر والزجاج لأقرب من الحس، لو جاز الجدل وجازت الخصومة في هذا الباب مما صنعوا.

ولقد بقيت في تقاليدنا وفي تقاليد الإفرنج بقايا مردها إلى ما كان من صنيعهم ومن صنيع قدماء يونان. ذلك بأن الإفرنج مما ينفرون عن التدقيق في صفة الأجساد من طريق الألفاظ، ولا يجدون غضاضة أن يصوروا ذلك أو ينحتوه. ونحن لا نجد

<<  <  ج: ص:  >  >>