للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يجدون من الغضاضة في التعبير اللفظي عن هذه الصفات، ولكنا نجد كل غضاضة من رسمها أو رؤيتها مرسومة. وإنما أخذنا بسبيل الرسم وتزيين المجلات بالصور منذ عهد قريب على طريقة التقليد البحت. ولا ريب أن جيلاً تقدمنا لو رأوا بعض ما نتقبله الآن من ذلك لأنكروه أيما إنكار ولا زوروا منه كل ازورار. ولا يزال كثير من هذا الجيل بين ظهرانينا. والفتيات والنساء اللائي يجلسن أو يقفن عاريات أمام الفنان عندنا آبدة، ولسن هن كذلك عند الإفرنج ومن إليهم. لا بل وجلوس اللابسة عندنا لترسم لم يكن ليسلم من هجنة إلى عهد قريب.

ولقد طهر الإسلام العرب من الأصنام بالتوحيد وبتحطيمهن كل تطهير. ثم نفر من الصور كل تنفير فقوى بهذا ما كان عليه منهج العرب في إيثار الكلمة على الصناعة في باب الفن. ولقد أوشك العرب المسلمون أن يؤثروا على بيزنطة النصرانية بالذي كانوا عليه في التجرد من مثل هذه البقية المشعرة بالوثنية في تصاوير الكنائس وتماثيلها. ولقد تعلم أن قد ثار جدل عنيف في بيزنطة فيما بين القرن الثامن والتاسع الميلادي حول تحريم صور الكنائس وتحليلها، وكانت من ذلك فتنة كادت تهدد الدولة بالانهيار. هذا ومما يقوي ما قدمناه من تأثر العرب بمقاييس يونان الجمالية في تماثيلها، وروم مضاهاتها من جانبهم ببيان اللفظ في الشعر، ثم تفريعهم من ذلك ما شاءوا من إبداع. أنهم قد ألموا مع هذا الذي نذكره من مقاييس التماثيل وقيمها الجمالية، بأصناف وأمثلة مما كان ليونان من الأساطير في باب الرمزية المتلاحمة التي تدخلها معاني الجمال ومعاني الجنس ومعاني الخصوبة والتقديس ثم الحكمة المستفادة من التجارب. من ذلك مثلاً خبر ذات الصفا، وهي الحية التي عاهدت الرجل، على جعل تجعله له أن يصافيها وينسى ثأر أخيه، فلما نال منها منالاً طمع وعمد إلى فأس فأحدها ليقتلها بها إلى آخر القصة، وهي في شعر النابغة حيث قال:

وإني لألقى من ذوى الضغن منهمو ... وما طفقت تهدي من الغي سادره

كما لقيت ذات الصفا من حليفها ... وما انفكت الأمثال في الناس سائره

<<  <  ج: ص:  >  >>