ولقد يقال أن الخرافات مما تشابه بين الأمم لتشابه التفكير البشري، ولكن التفكير البشري مع تشابهه مما يختلف. ومن أجل هذا يكون الأخذ والاقتباس. ولا مدفع لترجيح الأخذ متى وضح السابق وكان سبيل اتصال المسبوق به ليأخذ منه ممكنًا. والأمم مما تأخذ بعضها عن بعض ما تجده يلائم ذوقها أو تجاربها أو مذهبًا من مذهب تفكيرها، ثم تحور فيه وتنقص وتزيد حتى تجعله من حاق طريقتها، وربما أخذت أمة عن أخرى عدة أشياء معًا، متباينات أو كالمتباينات في أصل ما أخذت عنه، ثم جمعت بينها على ما يكون عليه أسلوب تفكيرها. وهذا من شأن الاجتماع والعمران البشري أمثلته أكثر من أن تحصى، منذ أن الله برأ الخليقة.
ومن أخبار العرب التي كأنها أخذت من أصول يونانية كثيرة ثم أضيف إليها غيرها أو حورت لتلائم ذوق العرب، خبر الزباء الذي سبقت ما إيماءة إليه. وسياق الخبر نفسه كأنه ينص على أصل يوناني أو أصل روماني أو أصل بيزنطي مرده إلى يونان مباشرة أو من طريق الرومان. قالوا: كانت الزباء ملكة رومية من ملوك الطوائف على ناحية الجزيرة (١). وكان جذيمة الأبرش ملكًا عربيًا على شاطئ الفرات. وكان له ابن أخت يدعى عمرو بن عدي ووزير ناصح يدعى قصيرًا. وكان جذيمة قد قتل أبا الزبا. فكان مما احتالت به لتنال ثأرها منه أن عرضت عليه أن
(١) الميداني: «خطب يسير في خطب كبير» واللسان (زبب) ونص على أنها من ملوك الطوائف. أما المسعودي فقال في مروج الذهب طبعة دار الرجاء بغداد (٢/ ١٩) الزباء بنة عمرو بن ظرف بن حسان بن أذينة بن السميدع ملكة الشام والجزيرة من أهل بيت عاملة من العماليق كانوا في سليح. وقال بعضهم بل كانت رومية وكانت تتكلم العربية مدائنها على شاطئ الفرات من الجانب الشرقي والغربي وهي اليوم خراب. وكانت فيما ذكر سقفت الفرات وجعله من فوق أبنية رومية وجعلت أنقابًا بين مداتها وكانت تغدو بالجنود» - وأول كلام المسعودي مشعر بأنها زنوبيا. وفي آخره نفس من حكاية الأمزونيات الإغريقية. وقد جعل المسعودي كلام البواب في آخر القصة بالنبطية لا بالرومية (بشتا بشتا- ص ٢٢).