للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله «كالجديل» فنص في شدة الأسر ومتانته وأحكامه، لأن الجديل هو السير المجدول المفتول، ومنه قولهم مجدولة، وقولهم جدلاء، وقولنا نحن في عاميتنا: «جدله» وهي فصيحة. ثم عاد إلى ما ذكره من قوله «ريا المخلخل» وهي يجيء «في صفة البادنة». فأراد ليزيل كل التباس، فشبه بالبردية أي القصبة، بل شبه بالأنبوب من القصبة، فنبه على الاستقامة، وتمام الهيئة مع القوة والنقاء وملاءمة ما كان فيه من نعت البكارة والسر المحكم.

وجعل هذا الأنبوب أو هذه البردية وسط سقي مذلل، أي نخل مسقي، خصب مذلل بالحمل، متهدلة أغصانه، ومثل هذا النخل ليس بطوال، ولكن مكتنز الجذوع قصارها، وقد تصل أغصانه إلى قريب من الأرض، أو قل قد يتناول من قطفه الواقف.

ولا يخفى أن التفاف مثل هذا النخل المتهدل حول البردية المنصلتة مما يقوى معنى استقامتها وانصلاتها وشدة أسرها مع نقاء اللون المتساوق المترقرق الماء من أدناها إلى أعلاها.

ولا يخفى أيضًا أن أولئك النخل المتهدلات ما من إلا صورة أخرى لأم الرباب وأم الحويرث وعنيزة والحبلى والمرضع المكتنزات، وبينهن بيضة الخدر كالبردية. وهي متى انفردت فنخلة فارعة، تتمايل إذا مُس فوداها عند الغدائر المستشزرات، ذات قنو متعثكل.

وتضحي فتيت المسك فوق فراشها ... نئوم الضحا لم تنتطق عن تفضل

وهنا رجعة إلى قوله «فجئت وقد نضت» ولكنها صورة من الخيال، إذ هي صورتها في ضحا الغد، وقد نهضت، ولما تنتطق، وعليها لبسة المتفضل، وقد تركت فتيت المسك فوق فراشها، لا يقوم معها فيتضوع كشأنه مع أم الحويرت وأم الرباب.

<<  <  ج: ص:  >  >>