للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي ترك المسك فوق فراشها إيحاء ببعد مسافتها عنه، وبعد أن ينالها، وإنما ينال مسكها الفراش، وليس ذلك له.

ثم في ظاهر لفظ البيت كناية عن ترفها وهذا معنى نموذجي معروف.

وفيه أيضًا إيهام بأنه قد لها معها إلى زمن ساهر من الليل، فلذلك نامت الضحا وقد وضح هذا المعنى سحيم في يائيته.

والصورة بعد على حركتها كأنها ثابتة لبعدها عن مسرح التمثال الذي يصفه. ولذلك عاد إليه فحركه بما هو من مجرى صفة الالتفات، ينعت إشارة بنانها:

وتعطو برخصٍ غير شئن كأنه ... أساريع ظبيٍ أو مساويك إسحل

وهذا جيد. مواضع الجودة فيه، سوى مجمل معناه، ثلاثة. قوله غير شئن في التنبيه على ليان هذه الفتاة مع متانة صنعها الذي صنعته.

وقوله أساريع ظبي في إظهار حقيقة هذا اللين لأن الأسروع يرقه زمان العشب ولا شيء ألين منها. وقد تنبو بعض الأذواق عن نحو هذا، وإنما نبؤها تنطسٌ منحرف. وهل أرادها أحد على أن تأكل هذه الأساريع؟ وإنما المراد منظرها، ولا ريب في جماله ولينه. ولله در أبي تمام إذ قال كأنه يُقرع أمثال هذه الأذواق:

مدت إليك بنانةً أسروعا

ومثل هذا لم يقصد به إلا المغايظة البحتة.

وقوله مساويك إسحل، احتياط بليغ أي بليغ لقوله أساريع ظبيٍ (وظبي موضع بعينه). لأنه لم يرد من الأساريع إلا لينها ولطف أنسابها على الرمل. ولم يرد تهصرها ولا ما يتبعه من لزاجة، هذا الذي يتقذره أصحاب الأذواق المتنطسة، فيما أرى، حين يفزعون من هذا التشبيه. ولذلك قال «أو مساويك اسحل» لينبئ عن الصلابة والاستقامة مع ملاسة الظاهر ونقائه. فالأساريع تنفي معنى الجساوة الذي في

<<  <  ج: ص:  >  >>