للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المساويك. والمساويك تنفي معنى اللزاجة والضعف والتهافت الذي في الأساريع فتأمل. وقد تعلم أن «أو» مما يراد بها الجمع كما يراد بها التخيير. من ذلك أقوالهم في تفسير قوله تعالى {إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} (١) - وشواهد هذا في كتب النحو كثيرة.

هذا وتمايل هذه الفتاة وإشارة أصابعها اللدنات حين التفتت من أعلق شيء بنفس الشاعر، إذ هو فيما قد صارت إليه حاله من تقلب أحوال الزمان كما تعلم. فألحق هذا المعنى المتمكن في نفسه، أو قل أومأ إليه وأوحى، بهذا الذي يصفه في البيت التالي من أمر الضوء ومنارة الراهب. قال:

تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسي راهبٍ متبتل

ولا يخلو الظلام من كناية عن حاله التي كان فيها. ولا الراهب المتبتل من كناية عن نفسه هو بعد الذي صار إليه من تحطم آمال. وهي وذكراها الضوء والمنارة. وقد مر بك حديثنا عن البرق والضوء والنار.

وأكد معنى مراده من الذكرى بقوله في البيت التالي:

إلى مثلها يرنو الحليم صبابةً ... إذا ما اسبكرت بين درعٍ ومجول

فجعل نفسه يرنو إلى ضوئها كقوله في اللامية «تنورتها من أذرعات» وقوله «صبابة» يقوي ما نذهب إليه من معنى الذكرى. وقوله «إذا ما اسبكرت» كأنه نص عليه. لأن الدرع كان عليها إذ خرج يمشي وهو المرط المرحل. والمجول هو الذي رآها فيه حين نضت لنوم ثيابها. وهي في كلا الدرع والمجول مُسبكرةٌ. والاسبكرار هو طول قامتها واعتدالها وانصلاتها وامتدادها. فهذا إجمال لما فصله لك من نعت تمثالها.


(١) راجع تفسير الطبري، سورة الصافات مثلاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>