للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم نص على الذكرى نصًا لا ريب فيه، عند قوله:

تسلت عمايات الرجال عن الصبا ... وليس فؤادي عن هواك بمنسل

واجعل العمايات من قبيل الظلام الذي تقدم. ثم مضى بعد يذكر الخصم والليل والهم والوادي القفر وذكريات الشباب والفروسية. ولا يتسع لنا المقام لنفصل ما أخذ فيه من بعد أو نوضح صلته بما قبله وصلة جميع ذلك بما كان امرؤ القيس يقاسيه من جهد وخيبة أمل وعناء. على أننا ننبه إلى أن امرأ القيس مضى يجعل الصور المحددة أو الناتئة الشديدة الأسر، وما يجري مجراها كالمركز لصوره، ويحفها بصور عراض مكتنزات أو كالمكتنزات. جعل حصانه محكمًا ضامرًا دريرًا كخدروف الوليد. وأتبعه صور النعاج كعذارى الدوار في الملاء المذيل، كعذارى دارة جلجل ذوات الدمقس المفتل. وذكر الثور والنعجة (يقابل بذلك ميل الغبيط به وبعنيزة) وطهاة اللحم ما بين منضج صفيف وقدير معجل (يقابل بذلك صورة الاشتواء الذي مر بلحم ناقته وشحم كهداب الدمقس المفتل). ثم ذكر البرق شاهد الذكرى. وقد مرت بك هذه الأبيات من قبل. وقد ترى كيف شبهه بلمع اليدين ومصباح الراهب، وقد تذكر أن ذلك من آخر ما ختم به نعت التمثال حيث شبه البنان بالأساريع وضوءها بمنارة ممسى راهب متبتل. ثم ذكر الغيث السحاح وفيه رجعة إلى صورة عدو الحصان. وجعل هذا الغيث السحاح إطارًا لكتيفة. وألقى دوح الكنهبل في جانب منه- ودوح الكنهبل فيه صدى من البوادن اللائي مضين مطلع القصيدة. والكنهبل عظام الطلح. ثم جاء بهذا السيل المنتشر. وأبرز فيه صورة القنان والعصم وجذع النخلة والأطم ذا الجندل وثبيرا الذي كأنه كبير أناس في بجاد. ومعاني الصيد والظباء والحصان وبيضة الخدر والأحراس مستكنة في كل هذا. وما ثبير إلا امرؤ القيس الصابر، أو كذلك بدا له معنى من معاني نفسه وجهادها. وقابل صورة ثبير بذروة رأس المجيمر المحددة التي كأنها فلكة مغزل. وجعل لهذه الذروة إطارًا من بعاع السيل الذي نزل:

<<  <  ج: ص:  >  >>