للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتقيته، وروحهما شاملة للقصيدة من مبدئها إلى حيث انتهى. ولقد نبه أبو العلاء المعري إلى هذا من صنيع النابغة في رسالة الغفران، وقد قال النابغة في المطلع:

«عجلان ذا زاد وغير مزود» فألمع بمعنى النظرة العاجلة، كنظرته في الميمية (بانت سعاد وأمسى حبلها انجذما) حيث قال:

هل في مخفيكم من يشتري أدما

كما قد أبان عن نفس في قوله «ذا زاد وغير مزود» - فذو الزاد النعمان. وغير المزود هو، إذ هو ناعت مكلف، وما تزوده نظرات من غير هاته التي كُلف وصفها أو من تمثال. وقد يكون النعمان بلغ من تهتكه أن أراه إياها لينعت. وقد ذكروا في صفته التهتك والفجور، وإن صحّ هذا، فيكون للذي ذكروه من غيره المنخل اليشكري، وتعريضه بالنابغة أنه لا يصدر مثل هذا من قوله إلا عن مشاهدة، وجه من معنى إذ مثله قد يُحفظ النعمان، إذ يراجع نفسه، فيتهم النابغة بأنه في وصفه الذي وصف، قد جاوز الفن إلى الشهوة، وتلك آبدة.

وإن يكن النابغة حقًا قد شاهد، فيكون عمده إلى نموذج تمثال يحذو عليه ما شاهده، أوقع وأدخل في معنى التقية وأحوط وأحزم.

ودليل آخر غير الذي نزعمه من تقية النابغة وعفته، ذكره مية في أول المطلع، وهي بعينها مية التي ذكرها في مطلع داليته المعتذرة:

يا دار مية بالعلياء فالسند

وقد بينا آنفًا مكان الكنية في مطلعه هذا وفي الأبيات بعده، وصلته بخبر ما كان بينه وبين النعمان.

ودليل ثالث هذا الإشراق الذي ينتظم القصيدة من أطرافها، إشراقًا كأنما عمد به الشاعر إلى أن يبهر الناظر دون تأمل الصورة تأملاً مدققًا. ثم هو إشراق

<<  <  ج: ص:  >  >>