للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يلائم حال الملك والترف وما تعلم من أمر الخورنق والسدير.

ودليل رابع تواتر الرواية وما نقلته إلينا من خبر إقواء النابغة فيها، وغناء قينات المدينة بأبيات منها أقوى فيها ينبهنه إلى هذا العيب من شعره. وهذا الخبر يناسب وضع هذه القصيدة الزمني، إذ النابغة نظمها بلا ريب قبل روائعه في آل جفنة وقصائده الاعتذاريات. وإن يكن النابغة قد نبغ في الشعر بعد الأربعين كما رووا، فهذه الدالية من أوائل ما نبغ به. ولست بمن يستبعد صحة هذا الخبر الذي يذكرونه من نبوغه بعد الأربعين. فالرجل قد كان من الحذاق أهل النظر. ومثله قمن بأن يكون بدأ النظم منذ دهر بعيد، ثم يطرح ما نظمه حرصًا على ألا يسير عنه، حتى إذا وجد آخر الأمر أنه قد استقامت له منه طريقة أذاع به. ولأمر ما سمى النابغة مع من سموا بهذا الاسم أحد عبيد الشعر. ولا كعبوديته فيما أرى عبودية زهير، وإن كان جوهر التحدي عند كليهما متشابهًا. إذ زهير أشبه به أن يكون قد يفرغ من القصيدة، ثم يؤوب إليها ليشذب، بغرض أن يزيد في خفاء ما عسى أن يبدو مكشوفًا معناه، فيكون بإخفائه هذا له أشد إيغالاً في الكشف عن نفسه. والنابغة يطيل إدمان الصياغة ليجيء كلامه سلسًا متهلل الديباجة، وقد مثلنا لك من طريقته بما رأيت. ولا ريب أنه في تحسينه لديباجته مما يعتمد من التقية أساليب. غير أن زهيرًا أدخل في هذا المعنى كما قدمنا، ونفسه أشد حرارة، لما يفعله به من طول التحبيس.

ثم دليل خامس وهو أصالة روح النموذج واقتراء الشعراء له من بعد، وقد ذكرنا لك آنفًا نظر النابغة إلى تمثال أفروديت ذات الثوب تليح به وهي متجردة وأضاف النابغة إلى ذلك أنها ذات عقد- وقد يكون نظر في هذا إلى صورة رآها وقد يكون هداه إليه الخيال، وقد تكون عرضت عليه المتجردة وعليها عقد، ومهما يكن من شيء فهو لا يخلو من أن يكون ذكر العقد للذي ذكرته لك من أرب أن يحف الصورة بالبريق وليزين أيضًا تجردها، باقتراح شيء من ستر له ولباس في هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>