للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معادية إذ سبيت، وخشي ذوو رأيها الفتنة من جمالها، وفي هذا نفس من قصة السبية، أحسبها امرأة عبد العزيز الأموي، إذ اختلف فيها الخوارج، وتغالوا في ثمنها، فجرد أحدهم، يدعى أبا الحديد، سيفه، فقتلها فقيل في ذلك:

كفانا فتنةً عمت وطالت ... بحمد الله سيف أبي الحديد

والقصة كلها تنظر إلى مصادر عدة ليس هذا مكان تحليلها، وإنما أردنا بإيرادها التنبيه على مكان المتجردة.

وننبه أيضًا على عقدة القصة أو قل جوهرها مداره ولع البطل المشئوم بالشعر نفسه أكثر من ولعه بتاجوجه. ومن أجل الشعر طلب إليها الجلوة، ومن أجله ضحى بلقائها من أجل بيت يترنم به لشيخ بادية الحمران.

وفي القصة بعد تناقض، راجع إلى معنى التجريد الذي سقناها من أجله، وهو أنه زوجها يحل له النظر إليها وينال منها أكثر من جلوة النظر. ومع هذا كما ترى تجعل القصة جلوة النظر أمنية يتمناها الشاعر فينالها بثمن مر باهظ. ولا يخفى ما في هذا من الرمزية إلى خصام ما بين جموح الفن، وتحفظ التقاليد.

فعسى هذه القصة التي سقناها أن تقرب عندك خبر النعمان والنابغة فلا تنفيه كل النفي أو ترفضه. وهي على أنها عامية لابد أن تكون منبعثة من ذلك الأصل أو من أصل مشابه له كما قدمنا، والله أعلم.

وقال النابغة:

ولقد أصابت قلبه من من حبها ... عن ظهر مرنانٍ بسهمٍ مصرد

فعدل إلى ضمير الغائب بعد أن نفى الإقصاد عن نفسه في قوله «غير أن لم تقصد» كما ترى. وفي عدوله إلى ضمير الغائب كالعمد منه إلى أن يخص النعمان بأنه هو المصاب وأنه هو الذي أقصدته الفاتنة وتملكت فؤاده، ويهواه هو، لا يهوى نفسه،

<<  <  ج: ص:  >  >>