للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دارة جلجل، على أن صورهن ههنا مقترحة معالمهن غامضات لا تستبان، لا كما تستبان الأشخاص في الظلام.

لو أنها عرضت لأشمط راهبٍ ... عبد الإله صرورةٍ متعبدٍ

لرنا لبهجتها وحسن حديثها ... ولخاله رشدًا وإن لم يرشد

وهذا اعتذار عن التحسس كما ترى. ثم فيه معنى الذكرى المتصل بمعنى ذكر الرهبان وصوامعهم وأضوائها التي تشب فيتنورها الناظر من بعيد.

وتشبه بتلك الأضواء نار الهوى كما تعلم، التي يستوقدها القلب. وقد رأيت صنيع امرئ القيس حيث قال:

تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارةُ ممسي راهبٍ متبتل

والراهب الصرورة المتعبد ههنا هو النابغة. وقد أضاء جمالها له الظلام، فرنا إليه لا يعشى

وقوله «نحسن حديث؟ ؟ ؟ » ثم تفريعه عند قوله:

بتكلمٍ أو تستطيع سماعه ... لدنت له أروى الهضاب الصخد

كل هذا في ظاهره محول على معنى الراهب، وفي حقيقته نعت لحال النابغة. وإنما كان حديثها نظرة السفم إلى وجوه العود. ولقد رثى لتلك النظرة. ولو قد يستطيع لأوى إليها كما تأوى أروى الهضاب إلى لذيذ ما تسمع.

وقوله «لو تستطيع سماعه لأوت له» دقيق غاية الدقة. وكان يكفي في المبالغة لو يقول «لو سمعته لأوت له» ولم يكن ليعجزه ما يستقيم به الوزن على هذا المعنى.

قال سويد يبالغ كما مر بك:

ودعتني برقاها إنها ... تنزل الأعصم من رأس اليفع

فأضرب حتى «عن لو».

<<  <  ج: ص:  >  >>