للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظلاً له. ويكون هذا كقول عمر بن أبي ربيعة:

وأعجبها من عيشها ظل غرفهٍ ... وريان ملتف الحدائق أخضر (١)

ووالٍ كفاها كل شيء يهمها ... فليست لشيء آخر الليل تسهر

وتنبه ههنا إلى أن «الخالي والبالي» تتجاوب أصداؤه في القصيدة من أولها إلى آخرها، كما تتجاوب أصداء النغمات الرئيسية في «السمفونية» الموسيقية الإفرنجية المحكمة.

وقد جعل امرؤ القيس طلله الذي حياه، وهو نفسه، باليًا في غير ما موضع، خاليًا من غير ما أنيس منذ عصرٍ خلون، ثم جعله ديارًا لسلمى عافيات، في موضع اسمه ذو الخال وهو خال- وقد همى عليها كل أسحم هطال، هذا الأسحم الهطال أي السحاب الأدكن الممطر، قد عفاها، وقد سقاها، فهو تحيته التي حياها بها، وهو الذكريات التي تهمى عليه من تذكرها.

وتحسب سلمى لا تزال ترى طلا ... من الوحش أو بيضًا بميثاء محلال

وتحسب سلمى لا تزال كعهدنا ... بوادي الخزامى أو على رأس أوعال

ليالي سلمى إذ تريك منصبًا ... وجيدًا كجيد الرنم ليس بمعطال

وههنا لدينا من أوصاف المعلقة طلا الوحش تذكر قوله: «بناظرة من وحش وجرة مطفل». وعندنا البيض بالميثاء كما في المعلقة بيضة الخدر، إلا أنه هنا جعلها بميثاء محلال. والميثاء الرملة الناعمة، والمحلال التي يحلها الناس، فحف البيضة كما ترى ببيضات في ميثاء، وهذا فيه أصداء من قوله فيما بعد:

وبيت عذارى يوم دجنٍ ولجته

كما فيه أصداء من عذارى المعلقة


(١) الريان بستانها، فإن كان حول قصرها فقد عرفت العرب «الفلات» وهذا أشبه. ويحتمل البيت معنى آخر يكون مع الأول ولا ينقضه وذلك أن الريان الملتف الحدائق هو جسمها إلخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>