للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن على لباتها جمر مصطلٍ ... أصاب غضى جزلاً وكف بأجذال

وهبت له ريحٌ بمختلف الصوى ... صبا وجنوبٌ في منازل قُفال

وهذه الأبيات ظاهرها وصفٌ وباطنها ذكرى محضة. ولما شعر امرؤ القيس أنه استحوذت عليه الذكرى، رجع إلى البسباسة، فكادها بحديث امرأة أخرى:

ومثلك بيضاء العوارض طفلةٍ ... لعوبٍ تنسيني إذا قمت سربالي

وسرباله ثوبه، وسرباله نفسه- قال تعالى: {وثيابك فطهر}. وعلى معنى النفس تكون التي أنسته سرباله هذه التي استحوذت عليه ذكراها.

على أن الأخرى والبسباسة، إن صح أنها غير الأخرى التي سينعتها بعد، كلتاهما تنسيانه سرباله، ثوبه أو نفسه.

هذا وشاهد الذكرى في الأبيات اللاتي مضين قوله «تضيء الفراش» - وفي هذا معنى النار التي يراها الناظر من بعيد، وهمًا أو حسًا والوهم أغلب في مذهب الشعراء.

وقد قال؟ ؟ ؟ المعلقة كما تذكر:

تضيء الظلام بالعشاء كأنها ... منارة ممسى راهبٍ متبتل

فجعلها؟ ؟ ؟ جدًا وجعل نفسه الراهب المتبتل. وهنا جعل المتبتل ضجيعًا وقرب ضوء المصباح حتى ذكر زيته وذباله. وكأن هذا كما قدمنا استمرار في قصة المعلقة. على أن ذكر المصباح في حد ذاته منبئ بالبعد، إذ امرؤ القيس يدنيه فيذكر الزيت والذبال بعلمه مما رأى في المصابيح، ليدل على جودته، وليس في الزيت والذبال نفسه كبير جمال يدنيه المرء ليتأمله. ثم قوله: لضجيعها: مما يشعر بضجيج آخر، ويكون في هذا يخاطله نفسٌ من أسى. وإن كان امرؤ القيس ذلك الضجيع، فقد جعل نفسه كضجيع آخر، ليحدث معاني الحسرة والبعد.

وقد زاد امرؤ القيس البعد قوة في البيت التالي: (كأن على لباتها) وإن يك ظاهره كأنه مداناة. ذلك بأنه كساها، كعهده بها إذ خرجا وهي تجر ذيل مرطٍ مرحل أم حين فاجأها وقد نضت لنوم ثيابها. ودليل أنه

<<  <  ج: ص:  >  >>