كساها، جعله لباتها تتوهج كالجمر الذي أصاب خشبًا جزلاً من خشب الغضى، (وقالوا إنه شديد الاحتراق)، فالتهب فكف بأجذال، أي بأخشاب من أصول الشجر غلاظٍ، بطيئة الاحتراق شيئًا ما. فاحتبس عالي اللهب تحت هذه الأجذال، وجعلت ألسنته تتطاير وتمتد من خلال ما بين الأجذال. والمصطلي يصطلي ويبهره حسن ما يصطلي به. وليس المصطلي إلا امرأ القيس.
فهل يا ترى أراد بهذه الصورة نعت ما قدمناه، من مفاجأتها متلهبة اللبات في لبسة المتفضل، ثم كفت ذلك بدرعها المرحل، حين لبسته لتخرج؟
ومهما يكن فهذا الكف، من أجذال أو درعٍ ملبوس، لم يمنع سنا النار من الارتفاع، لأنها قد هبت لها الرياح من الجهات المختلفات، صبا وجنوب. فأكلت الأجذال وعلت واعتلت وأضاءت لضجيعها الفراش- ولكن من أين؟ من الوهم. لأنها نار في منازل قفال، يرونها من بعيد، يتشوقون إليها، كمصابيح الرهبان التي تشب لقفال. والقفال امرؤ القياس لأنه لم يقفل ولكن يتمنى ولا يكاد.
وهنا موضع الالتفات إلى البسباسة كما تقدم. وفي قوله «لعوبٌ تنسيني إذا قمت سربالي» ما ذكرناه لك من وجوه التأويل. وفيه أيضًا مفاكهة لها- فهل هي الآتي وصفها من بعد- وهو وصف بادنة متجردة كما سنرى: ؟
إذا ما الضجيع ابتزهامن ثيابها ... تميل عليه هونةً غير مجبال
أم هو رجع إلى فتاة المعلقة، يزعم ههنا أنه تجاوز إليها الأحراس فابتزها من ثيابها، فصارت برديتها غصنًا ذا شماريخ وحقافها من العقنقل حقفًا يمشي فوقه الوليدان من لينه وتسهاله.