للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشوة المرح، إلى الرضا الخالص الساذج، الذي هو سعادة الأطفال- سعادة قلما تتاح للكبار، إلا إذا فنوا لحظةً معهم كما فنى امرؤ القيس. هذا. ثم في جعله إياهما طفلين، رمزٌ وإشعار بخصوبة الموصوفة. وأنت تعلم خبر البكر الخالدة التي لقيها أبو زرع (في حديث أم زرع) تسعى بغلامين كالفهدين، يلعبان تحت خصرها برمانتين، فتبعها وتزوجها وطلق أم زرع (١).

ثم كأن غفلة الوليدين هذه من صفة الموصوفة إذ مالت هنيهة غير مجبال، كحقف النقا، وهي أغفل ما تكون عما تسخو به من جمال. وأحسب حسان بن ثابت نظر إلى ههنا حيث قال:

نفج الحقيبة بوصها متنضد ... بلهاء غير وشيكة الأقسام

وقد مضى القول فيه.

ثم في ذكر الوليدين ولين المس والتسهال، إيماءٌ بالأمومة والمأوى وامرؤ القيس يطلب ذلك ويلتاع إليه. ومع هذا الإيحاء الملتاع هذا النقا اللين، بما يحتسبه عنده من لين مس وتسهال. وهنا يصير امرؤ القيس هو الوليدين على معنى الانهماك، كما


(١) حديث أم زرع مشهور مر بك في أول هذا الكتاب طرف منه.
وقال في تأويل الرمانتين بعض الشراح أنهما يدلان على كبر عجيزتها. إذ كان الغلامان يقذفان الرمانتين تحتها وهي راقدة، فتجوزان تحت خصرها، لأن كبر عجيزتها يمنعه من ملامسة الأرض. وهذا الوجه جائز في التأويل إلا أنه يناقض نص الحديث في أنها كانت تسعى بغلامين لا كانت راقدة، وروت الحديث أمنًا عائشة وقد مر بك قولها في الضوى والعلقة. والمراد، فيما نرى، من ذكر الغلامين كالفهدين أنها تلد التوائم فلا يكونون ضعفاء ولكن أقوياء، ومن ذكر الخصر والرمانتين أنها مع ولادتها وإرضاعها، ضامرة البطن ناهدة الثدي كالرمان، ولعب الطفلين بالرمانتين كناية عن رضاعهما حين كانا صغيرين، لكل منهما رمانة، كما يبدو من منظر نهديها الآن. وذكر الرمانتين بالتثنية شاهد في الكتابة إذ لك أن تسأل ولم لا يلعبان برمانة واحدة فذلك أبلغ باللعب إن كانت هي راقدة وهما حقًا يلعبان؟ وعسى أن كان الغلامان يسعيان وبيد كل منهما رمانة. والتأويل يتسع. وشاهدنا تثنية الغلامين حيث استشهدنا وأنكر القاضي عياض أن يكون الولدان يلعبان برمانتين تجوزان تحت عجيزتها إنكارًا جيدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>