للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعلقمة، على صورة البعل ههنا، كأن مراده أن يقول، ينبغي له بعد الذي كان بيني وبينها أن يصبح عليه القتام، سيء الظن والبال. وما في هذا من الرثاء لنفسه لا يخفي.

وغطيط البكر يدل على مخافة وفزع. وقوله «شد خناقه ليقتلني إلى آخر البيت» يدل على مخافة وفزع أيضًا. ولكن ذلك مشوبٌ بسخرية وزراية ومقت، كما فيه من الحسرة والرثاء صدى مما في البيت الذي قبله: «فأصبحت معشوقًا إلخ».

وامرؤ القيس مما يلقي بكلامه إلقاء من أعاق عقله الباطن، دفعة واحدة، وفيه تجارب كثيرات، فيبدون كأنهن تجربة واحدة، ذلك بأنه أوتي ملكة خارقة مع الصدق والحذق وصفاء الديباجة والمقدرة على الاسترسال.

وأحسب أن المخافة التي في غطيط البكر، تحمل صدى ذكرى سحيقة من عهد مخافته أباه، حين اتهمه بإحدى نسائه فأمر بقتله. قالوا، ولكن الذي وكله بقتله رحمه فأبقى عليه، واصطاد جؤذرًا فاقتلع عينيه، وحملها إلى حجر يوهمه بهما أنهما عينا امرئ القيس.

وقد تعرضنا لبعض هذا في حديثنا عن هذه الأبيات في الجزء الأول، ولا أكاد أشك أن قوله «يغط غطيط البكر» فيه كالإشعار بصفة الغول. ويؤيد هذا قوله من بعد:

أيقتلني والمشرفي مضاجعي ... ومسنونةٌ رزقٌ كأنياب أغوال

وظاهر هذا البيت فخر. وفيه أيضًا غزل، كأنه يشير به إلى خمصانة المعلقة، أنها المشرفي المضاجع له، ومنه يستمد الشجاعة.

وباطنه ذعر، وهرب ذريع. يدلك على ذلك من سره هذا التهويل. كأن السيف وحده، ولابد فيه من المساورة عن قرب، لا يكفيه، فاحتاج إلى المسنونة الزرقة وهي السهام.

<<  <  ج: ص:  >  >>