«وأنياب الأغوال» كأنها صدى لغطيط الغول. وعندنا في الخرافات الدائرة في الغول والسعلاة، وأصل ذلك، لا شك عربي، أن الغول يغط إذا صحا ولا يغط إذا نام. قالوا في قصة الجفيلة، إنه لما اختطفها الغول، وعلم بذلك ابن عمها الجفيل، خرج في طلبها، ولا يعلم أين صير بها. فلقيته عجوز، وكانت حكيمة ذات علم من السحر، فأعانته في بعض ما كان من أمره، ودلته على دار الغول، وقالت له تحذره:«إن الغول نومه شهر وصحوه دهر، وإذا صحا كان له شخير يُسمع من بعيد، وإذا نام فليس له شخير، فلا تقربن داره إن سمعت الشخير». فانطلق الجفيل إلى دار الغول، فوجده نائمًا لا حس عنده. ووجده متوسدًا شعر الجفيلة، وكانت كأنها نائمة، ولما تستسعل بعد، وقد كادت، ولو قد نالها لقد كانت استسعلت فلم يكن دون أكله شيءٌ. فأيقظها برفق، فعرفته وفرحت به. وقص شعرها من تحت الغول، وأردفها وراءه هاربين، إلى آخر القصة (١).
ولا أستبعد أن يكون العرب الأولون قد كانوا يعتقدون في أمر غطيط الغول مثل هذا الاعتقاد، أو قريبًا منه.
ومما يقوي معنى الفزع في بيت الغطيط وبيت المشرفي، قوله من بعد:
وليس بذي رمحٍ فيطعنني به ... وليس بذي سيفٍ وليس بنبال
وكرر ذكر النبل، ودلالته على البعد والهرب والاحتماء من كان قصيٌ لا تخفى. وقوله «فيطعنني به» واضح الدلالة على الذعر. على أن في هذا البيت احتقازًا وزراية بعد، ليست ببعيدة المجرى من زرايته حيث ذكر البكر المخنوق الذي غط عنه بعد أن توعده بالقتل.
وعندي أن امرأ القيس قد خالط في مراده بهذه الزراية ذات المقت بين بعلٍ
(١) أوردنا القصة كلها كاملة في كتابنا الأحاجي السودانية فليرجع إليه.