للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا، وقولنا أنه مهد بتشبيهه «كغزلان رملٍ في محاريب أقوال» لنعت العذارى بعده، شاهده أن في هذا التشبيه، عدا الذي قدمناه من معنى الإباحة، معنى مزدوجًا، كلاً وجهيه أراده امرؤ القيس فيما نرى. ذلك بأنه شبه الأوانس بالغزلان أولاً، وجعلهن في محاريب أقوال أي ملوك، ليدل بذلك على أنهن مكنونات متنعمات دونهن المخاوف والأحراس. ثم إنه شبه الأوانس بالغزلان التي في المحاريب- وهذه صورٌ أو تماثيل بلا ريب. قال تعالى يصف جن سليمان: {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ (١)} فجمع بين المحاريب والتماثيل كما ترى.

وهذا التشبيه للأوانس بالغزلان المصورة أو بالتماثيل فيه رجعةٌ إلى ما كان قاله أولاً:

فيا رب يومٍ قد لهوت وليلةٍ ... بآنسةٍ كأنها خط تمثال

وأقرب شيء أن تكون هذه الآنسة التي كأنها خط تمثال، هي جباءُ المرافق المكسال (وهذه صفة بدن) المذكورة في قوله:

وبيت عذارى يوم دجنٍ ولجته ... يطفن بجباء المرافق مكسال

وقد وصف امرؤ القيس العذارى فجعلهن خماصًا طوالاً سمهريات القامات لتتم المقابلة بينهن وبين بادنته:

سباط البنان والعرانين والقنا ... لطاف الخصور في تمامٍ وإكمال

وهؤلاء السباط البنان والعرانين والقنا، الهيفاوات، الفارعات، تجعلهن مع فتاة المعلقة، ذات البنان الأساريع، والقامة البردية، ومع سلمى التي في أول هذه القصيدة، التي كانت تريه منصبًا وجيدًا كجيد الرئم، والتي كأنها خط تمثال.


(١) سورة سبأ وعند أبي عمرو وغيره تثبت ياء الجوابي وصلا لا وقفًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>