ونريد بعد أن ننبه إلى طريقة امرئ القيس في النعت بعد هذا، من إشرابه أوصافه شيئًا من معنى البدن واليسر والسعة، مع مراعاة المقابلة بصور أقل بدنًا وأشد أسرًا. وهذا من جهة المذهب الفني شبيه بصنيعه في المعلقة، ويباينه من حيث إنه، هتاك، غلَّب جانب ما يلائم الضمر وانصلات القامة.
من ذلك وصف امرئ القيس لحصان الغزوة- إذ جعله عبل الجرازة، ناتئ الحجبات، كأن أعلى ردفه فرخ نعام.
وقد تعلم أن الحصان الذي نعته في المعلقة هيكل مثل هذا الحصان. ولكنه في المعلقة باعده، وحكى لك حال جريه وهو ينجرد وراء الأوابد من مكان بعيد، دريرًا كخذروف الوليد، وهنا قربه بأنه جعله جوّالاً، يمضي شيئًا ثم يكر راجعًا، في معترك القتال الضيق، وهذا يتيح من تأمل أعضائه ما لا تتيحه حال الانجراد.
وقد جعل واديه هنا خصبًا أنفًا «رائده خال» وغيثه وسميٌّ، والرماح تتحاماه، لعزة من يحميه. وفي هذا كما ترى ذكرى أيام ملكه وصدى من حاضر أمانيه. وهذه الصفة غير صفته للوادي في المعلقة. إذ ثم يندفع فيه السيل، ويكب الدوح على الأذقان، ويدمر الديار، ويُغرق الأرجاء، فلا يبدو في أتيه المنفهق إلا رأس المجيمر، ؟ ؟ ؟ العنصل، والأطم المشيدات بالجندل وثبير ذو البجاد في عرانين الوبل، ؟ ؟ ؟ فوق ذلك كله غناء المكاكي.
هذا وقد جعل امرؤ القيس للصيد ههنا عجلزة أي فرسًا قوية. وجعلها مترزة اللحم كأنه هراة منوال، أي عصا، وفي هذا نفس من قوله «كأنها خطُّ تمثال».
ثم في الفرس مقابلة لحصان الغزوة الهيكل الذي ذكره آنفًا. وكأن ما ذكره من الإتراز والهراوة، تأكيد منه لأنها -مع كونها أنثى- ليست بدون ذلك الحصان، لا في عظم الهيئة ولا في متانة الأسر.