للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبادرت إليه الأماني. فنقل التي نظر إليها إلى وادي الذكرى، وجعلها مساعفةً تجلى عليه. ولكن جلوتها هذه التي يصفها لم تكن إلا وداعًا. إذ النعت الذي ينعت إنما هو نعت تراءٍ ووداع.

براقة الجيد واللبات واضحةٌ ... كأنها ظبيةٌ أفضى بها لبب

والتشبيه بالظبية يدل به على مراءاة جيدها واتلاعه وعلى نقاء لونها وصفائه وكأن لونها مشرب صفرة، كلون المقاناة البياض بصفرة، وهو كما قدمنا، لون العرب المحبوب، وزعم بعض المفسرين أنه لون الحور العين (١). ذلك بأن الظبية أدماء يضرب لونها إلى البياض، وقد خالط بياضها هذا وبياض الرمل حولها شعاع الأصيل، حين خرجت، ممتدًا جيدها الأتلع، من أثباج الكثيب إلى السهل الفضاء- وذلك قوله أفضى بها لبب:

بين النهار وبين الليل من عقدٍ ... على جوانبه الأسباط والهدب

وفي ذكر الأسباط والهذب إكمال لصورة الظبية وإبرازها، لأن الأسباط، وهي ما نما مستطيلاً كالدخن من الثبات، والهدب جمع هدبة، وهي ما كانت أوراقه مثلثة محددوبة كالطرفاء، تكون حولها كالإطار. والصورة حقًا رائعة ثم أن فيها كنايات مما يحسن التنبيه إليها.

منها أن الظبية نفسها بمنزلة الجيد واللبات البراقة. واللبب أي الكثيب بمنزلة ما عليه الوشاح والمآزر من الفتاة. والأسباط والهدب بمنزلة شعرها، غدائره المسترسلات وضفائره المنعقدات. والصورة تنظر إلى متجردة النابغة وسجفى كلتها بلا ريب.

ومنها أن ذا الرمة أوحى إلينا بوجه الفتاة في قوله «بين النهار وبين الليل من


(١) ندعني موضع ذلك وأحسيه في ابن جرير.

<<  <  ج: ص:  >  >>