والكشح منقطع الأضلاع عند الجنب. وفي ذكره بعد المأكمة، إشعار بأن الذي جن به جنونًا حين نظر إليه، إنما هو تناسب انسيابه ضامرًا إلى حيث المأكمة التي يضيق عنها الباب. وذكر حيلةٍ من نحو الانفتال أو القلق ههنا لا يجدي. لأن الجسم المجدول المنصلت الخمصان يتمايل معًا، وهو الذي يصفه ههنا واضطراب القلق والانفتال وما بمجراهما لا يلائمه.
ولكي يكمل الصورة، جعل الساقين اللذين يسندان المأكمة كساريتي بلنط أي عاج أو رخام. ومعنى الارتفاع الهائل ههنا لا يخفى. واستدرك بقوله «يرن» خشاش حليهما رنينًا
لينفي ما يلابس البلنط والرخام من معنى الجمود، لا ليدل على أنها كانت تسعى، تضرب برجليها والحلي يرن. وكأنه يريد أن يقول إنها لو سعت لحدث هذا. وفي ذكره الخشاش مع الحلي، ما يناسب ما ذكره من معنى النخلة، لأن الذي له خشاش ووسوسة حين تتمايل هو أعلاها حيث الذوائب. هذا، وإنما ضخّم عمرو بن كلثوم صاحبته لأن الغرض الذي ساق معلقته من أجله هو الفخر بقبيلته، والادعاء لها أنها كثيرة غزيرة عزيزة قاهرة قال:
وقد علم القبائل من معد ... إذا قُببٌ بأبطحها بنينا
بأنا المطعمون إذا قدرنا ... وأنا المهلكون إذا ابتلينا
وأنا المانعون لما أردنا ... وأنا النازلون بحيث شينا
وأنا التاركون إذا سخطنا ... وأنا الآخذون إذا رضينا
وأنا العاصمون إذا أطعنا ... وأنا العارمون إذا عُصينا
ونشرب إن وردنا الماء صفوًا ... ويشرب غيرنا كدرًا وطينا
ومثل هذه الخصوبة التي يفخر بها لقبيلته -وقد ترى أنه بلغ بها مبلغ التأليه- إنما يلائمها في رمزية النسيب، نعت إلاهةٍ خصبة مساوية لمقدارها، بقوام كالنخلة، وردف كالباب، وساقين كالأسطوانتين من العاج والرخام. وكأن هذه الإلاهة هي بكر قبيلته تغلب التي ولدتها.